• الرئيسيّة

  • الخميس، 11 مارس 2021

    الكتابة

     


    إنّ الإنسانيّة لا تشذّ عن قانون الدفاع عن بقائها رغم أنّها خلاف جميع الأمم الأخرى لا عدوّ لها سوى طيشها ونزعتها الطبيعيّة للخلط بين العادة وبين الحقيقة. وإن كانت مُنتجة للخراب فإنّها تسعى مأخوذة بغريزة البقاء إلى تأخير فنائها. ويشكّل الأدب إحدى وسائلها الفعّالة في ذلك بل لعلّه المتفرّد بالجمع بين أمرين أساسيّين: قاعدة التلقّي الواسعة وإنتاج الفكر والمعرفة الضروريّين لاستمرار الذكاء وقطع الطريق أمام انحدار البشريّة نحو التهوّر اللامحدود ومن ثمّ التوحّش فالنهاية. ولأنّ الأدب فرصة ممتعة ومشوّقة عكس المجالات الأخرى لتنمية ملكة الفهم واستيعاب الوجود والظواهر المنجرّة على تراكم العادات، فإنّه السلاح الأهم لقطع الطريق أمام السقوط في الغباء وتصديق الحماقات التي نصنعها بأنفسها والسدّ المنيع في وجه العشوائيّة. فالأدب إذًا بصفته يمتلك خاصية إنطاق القضايا الجماعية التي اختنقت بسبب المضي الأعمى إلى الأمام يغسل المجتمع البشري من أدران الانسياق الخطير للأجيال وراء أخذ فرصتهم في السيادة وامتلاك الكوكب.

     

    أمّا عن الممارسة الفرديّة للكتابة والي تختلف أشكالها ودوافعها وظروفها من شخص إلى آخر، فأعتقد أنّها لا تتطوّر بالمراس فقط على امتداد زمني طويل بل يرافق ذلك نضج على مستوى الدافع، انطلاقا من تجربتي كتبت أوّل قصّة لي حياتي عندما خطر لي أن أتعاطف مع إنسان ظهرت نتيجة حزينة لتحاليله الطبية، وهو في الطريق إلى بيته تخيّلت مقدار ألمه، أردت التعاطف مع هذا الشخص المُتَخَيّل عن طريق كتابة قصة أجعله يعبّر فيها عن عذابه النفسي. ثمّ بعد ذلك أردت عتاب المجتمع الذي يتمسّك بما لا يعرفه على حساب ما يعرفه، هكذا خطرت لي الفكرة فاخترت موضوعا يوحي بذلك. في تلك الفترة كنت أكتب إما لأثور على سلوك أو لأتعاطف مع ذات شقيّة. لمّا لاقت القصة الثانية نجاحا بفوزها في مسابقة وطنية لها وزن كتبت لأنقش لنفسي اسم
    ا في الساحة الثقافية. توالت النصوص واستطعت مع مرور الأيام أن أراكم بعض الانتصارات الصغيرة. ثم بعد ذلك حين اكتشفت أنّ الأدب هو المجال الخطأ للكسب المادي والحصول على الشهرة صرت أكتب لنفسي غير عابئ بالآخر.
    أكتب الآن لأرضى عن نفسي التي ما كنتُ لأرضى عنها وأتعايش معها في توازن لو لم تكن ذاتا مُعبِّرة مُفكّرة تسعى إلى إبداء رأي في العالم والظاهرة الإنسانية. وما زلت أكتب كأني أريد تخليد أفكار وتأملات راودتني كي تتسنّى لي قراءتها بعد سنين في محاولة ربما للحفاظ على نفسي من التلف.

     

     


    أمّا بشكل شخصي فأكتب لأرضى عن نفسي التي ما كنتُ لأرضى عنها وأتعايش معها في توازن لو لم تكن ذاتا مُعبِّرة مُفكّرة تسعى إلى إبداء رأي في العالم والظاهرة الإنسانية. وما زلت أكتب كأني أريد تخليد أفكار وتأملات راودتني كي أقرأها بعد سنين في محاولة ربما للحفاظ على نفسي من التلف. هكذا تتراءى لي الأشياء. ثمّ في مرحلة أخرى تُطرح أمامي الوجهة التي سأوجه إليها نصوصي من كتب أو قصص منشورة في المجلات الأكثر انتشارا، مع تأكيدي على أنّ هناك فرقا كبيرا وخطيرا بين ما تختاره لأدبك من مسالك وبين دوافعك للكتابة فالأولى مادّية والثانية نفسيّة.

     

    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق