• الرئيسيّة
  • الأربعاء، 19 ماي 2021

    هنود فلسطين / جيل دولوز - ترجمة محمد فطومي

     

     

        الفيلسوف جيل دولوز Gilles Deleuze والقضيّة الفلسطينيّة.

    كُتب النصّ سنة 1983، تحت عنوان (هنود فلسطين)

    الترجمة من الفرنسيّة : محمد فطومي / عسى أن يصل إلى أكبر عدد ممكن من العقول العربيّة حتّى ترى بعين الفكر الوجه الحقيقي للقضيّة.

     

    «ستفرِضُ الصّهيونيّة، ثمَّ دولة إسرائيل على الفلسطينيّن الاعتراف بهما كما لو كان ذلك حقّا. إلاّ أنّ إسرائيل من جهتها ما انفكّت تنكر أنّ الشعب الفلسطينيّ أمر واقع. لن يجري الحديث أبدا عن فلسطينيّين لكن عن عرب فلسطين كما لو كانوا قد وُجِدوا هناك صدفة أو على سبيل الخطإ. ولاحقا سيتمّ التعامل مع الأحداث كما لو كان الفلسطينيّون المُهَجَّرون قد جاؤوا من الخارج، وسيُبقُون طيَّ الكتمان حرب التّحرير الأولى التي خاضها الفلسطينيّون بمُفردهم بل أكثر من ذلك سيُنعَتون بأنّهم مُنحَدرون من هتلر، بما أنّهم لا يعترفون بحقّ إسرائيل في النّشوء. في المُقابل تكفل إسرائيلُ لنفسها الحقّ في إنكار وجودهم. من هنا تبدأ رواية مُتخَيَّلَة ستمتدّ جذورها أبعد فأبعد، وستُثقل كاهل المُدافعين على القضيّة الفلسطينيّة. تقضي هذه المزاعم، وهذا الرّهان الإسرائيلي، بإلصاق صفة المُعادي للساميّة بكلّ المُندّدين بالظّروف على أرض الواقع وبممارسات الدّولة الصهيونيّة. تنبع هذه العمليّة من البرود السياسي لإسرائيل إزاء الفلسطينيّن.

    لم تُخفِ إسرائيلُ غايتها يوما: إخلاء الأرض الفلسطينيّة بالكامل، الإفراغ الشامل. أو أدهى من ذلك، التعاطي معها كما لو كانت خالية منذ البداية، ومُمَهَّدة منذ عصور للصهاينة. إنّه احتلال لا شكّ فيه، لكن ليس على الطّريقة الأوروبية خلال القرن التاسع عشر: لن يتمَّ استغلال سكّان البلد، بل سيُرَحَّلون من ديارهم. أمّا الذين سيمكثون فلن يُعوَّل عليهم كيَدٍ عاملة مُرتبطة بالأرض، بل كَيَدٍ عاملة مُنفصلة وعرضيّة، كما لو كانوا لاجئين في مُخيّمات من خلال حملة شراء للأراضي منذ البداية شرط إفراغها تماما من ساكنيها أو على الأقلّ قابلة للإخلاء دون مشاكل. إنّها جريمة، حيثُ الإبادة الجسديّة تبدو في صورة تطهير جغرافي: وبما أنّ الفلسطينيّين هم عرب في نهاية الأمر فسينصهرون في شعوب عربيّة أخرى. أمّا الإبادة الجسديّة، مُعلَنَة كانت أم لا، موكَلَة إلى المرتزقة أم لا فإنّها تظلّ حقيقة صارخة. لكنّها ليست جريمة " يهتف بعضهم"، بما أنّها ليست الهدف النهائي: فعلا، إنّها وسيلة ضمن عدة وسائل أخرى.

      إنّ تواطُؤ الولايات المُتّحدة مع إسرائيل لا يستقي وجوده فقط من قوّة اللوبي الصّهيوني. لقد برهن إلياس سانبار باقتدار كيف أنّ الولايات المُتّحدة تجد في إسرائيل انعكاسا لتاريخها: إبادة الهنود التي تمّت جسديّا في جزء منها فقط، لأنّ الحرص الأكبر كان على صنع الفراغ، كأنّ الهنود لم يوجدوا يوما ما عدا في المُخيّمات التي راحت تستقبل وفود المُهَجّرين من الدّاخل. يتقاطع الفلسطينيّون معهم في نقاط عديدة، إنّهم الهنود الجدد، هنود إسرائيل. يُشير المُحلّل الماركسي إلى حركَتيْن مُكمّلتَيْن للرّأسماليّة: السعي الدّؤوب للحصول على حدود، أين سيكون على الغزاة تركيز نظامهم واستغلاله؛ الدّفع بالحدود أبعد دائما، ومن ثمَّ تجاوزها قصد استئنا
    ف نشر نظام أمتن وأوسع مُعزّزا دعائمه أعمق فأعمق. كان توسيع الحدود دائما الفعل الأساسي للرأسماليّة الأمريكيّة، للحلم الأمريكي، الذي اقتبسته إسرائيل من أجل حلمها بإسرائيل الكبرى فوق الأراضي العربيّة، على ظهر العرب.»

    من كتاب (نظامَيْ مجانين)  الصادر سنة 1983 عن دار منشورات  Minuit.