• الرئيسيّة

  • الأربعاء، 20 جوان 2012

    الآلة



    قصّة : كلود شنيرب 
    تعريب :محمد فطومي


    عديدة هي المناسبات التي ضغط فيها على الزرّ؛جرحى،موتى،مرضى يُحتضرون،خيول مبقورة البطن،صبية يختصمون تفّاحة نصف فاسدة.
      و بآلة التّصوير كان دائما بوسعه أن يشرح المعضلات على نحو مختلف، أو يمدّد في الزّمن عمر مشهد ما.
      على الحدود الفرنسيّة مثلا أين اضطرّ الإسبان لتسليم  أسلحتهم و عتادهم.كان يلتقط الصّورة تلو الصّورة و هم يجبَرون على تكديسه هناك.
    كان أغلبهم يائسا من إمكانيّة عبور الحدود يوما ما.
     و تُحلّق طائرة فوق رؤوسهم كنسر الجيف.
    حينها لم ينس أن يتّخذ صورة لأحدهم و قد ارتسم الرعب على وجهه.
    لمّا عاد إلى فرنسا توجّه أوّلا إلى معسكر بـ(أرجلاس) غصّ باللاّجئين.
    بإمكانك أن تفوز هناك بصورة مذهلة:
    نيران المطابخ الفقيرة ،الدّخان الذي يتصاعد ببطء كلّ مساء،أو أن تظفر في أسوىء الأحوال وسط المربّع بعجوز يرتعش..
    حين صار على مقربة من الشّاطىء استوقفه أحد الإسبان قائلا:
    - هذا ليس جميلا.. و أشار إلى آلة التّصوير بيده،يوحي له بالتقاط بعض الصّور.بعض الفظائع .
    فعلا لم يكن المنظر جميلا أبدا؛نفايات عفنة ، جثث آدميّة ،و جريح ينتهي من لفّ ضمّادة على فخذه الأيمن.
    طلب منه أن يفكّ الضمّادة من أجل الصّورة ففعل.
    الجرح غائر و ليس جميلا أيضا،و حدّث نفسه بأنّ الإصابة ربّما التهبت و أنّ الّلحم في طريقه ليتآكل.
    ثمّ ابتعد عن السّاحل.
    وسط حشد من النّاس تجمّعوا بمحاذاة نيران المطبخ،دنا منه طفل صغير.كان قد فقد عائلته في الحرب و لم يعد يحتمل البقاء في المعسكر.
    - باريس؟( قال الطّفل دون مقدّمات).ثمّ عرض خدماته.قال بأنّه يتقن فعل كلّ شيء.
    - مثل ماذا؟
    - الغسيل،الصّحون ،المطبخ...
    - و ماذا أيضا؟
    - بإمكاني أن أصلح السيّارة.
    " كذّاب صغير! "( فكّر الرّجل).
    - و بعد أن تنجز كلّ هذا ما الذي تستطيع القيام به؟ (سأله بصوت خافت و بنبرة تواطىء خبيثة.)
    خجل الطّفل و احمرّ خدّاه و تراجع إلى الوراء كما ليهرب من الموقف،و لكنّ الرّجل وجد الوقت الكافي ليوثّق خلف عدسته ذاك الوجه الذي تعكّر فجأة.
     
      في بيته استيقظ.غيّر ملابسه ثمّ ألقى بالآلة داخل خزانة ،فوق كومة من الملابس المعدّة للغسيل.لم يُفرغ محتواها لأنّها لم تكن محشوّة يوما.
     و في قلب شارع " مون مارتر "
    يدخل الرّجل إلى شقّة.تستقبله معينة السيّدة صاحبة المضافة.كانت تعرفه جيّدا.و دون أن تقول كلمة واحدة ،تقوده إلى غرفة مظلمة.يتعرّى تماما ثمّ عبر نافذة صغيرة في مستوى الرّأس ، زجاجها غير مطليّ بأيّ لون يظلّ طويلا يراقب داخل الغرفة المجاورة المضيئة،رجلا و امرأة يلهوان..


    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق