• الرئيسيّة

  • الخميس، 3 ماي 2012

    التّوقيع




    كان الكتابَ الوحيدَ وسط مجموعة من المجلاّت المعروضة على قارعة الطّريق..      
    تناوله بين يديه." حصار طروادة ".هكذا كان عنوان الرّواية.حدّث نفسه تحت النّظرات القلقة للبائع بأنّها ربّما الفرصة الأمثل ليلتحق أخيرا بركب زملائه الشّعراء الذين يتكلّمون عن جلجامش و عن الأوديسة كما عن بيوتهم و الذين لا تكاد تخلو قصائدهم من آلهتها و رجالها و جميلاتها. يتصوّر و لا يودّ أن يتخيّل كيف ستكون ردّة فعلهم لو فطنوا بأنّ قدوتهم المثقّف الموهوب الذي تتبخّر آمالهم في الظّفر بالجائزة الأولى أو بآذان صاغية على الأقلّ،إذا أطلّ هو قادما من بعيد ،متأبّطا حافظة أوراقه السّوداء، يجهل كلّيّا تفاصيل الملحمة الأكثر بداهة و توظيفا.ستكون مداركه محلّ شبهة فضلا أنّ العديد منهم سيشكّكون بأنّه هو من يكتب تلك القصائد أصلا.العقدة ذاتها تسكنه تجاه مؤلّفات شكسبير و المعرّي و آخرين لم يسمع عنهم من قبل.يُصاب بالإحباط حين يردّد الشّعراء أسماء هؤلاء في النّوادي و الملتقيات الأدبيّة و في الشّارع أيضا و هم يسيرون جماعات جماعات غير عابئين بالعربات.يسمع باستمرار مفردات تتكرّر في تلك الأوساط بكثرة؛السّرياليّة و الزّمن الإبستيمي و قلق التّسمية و غيرها من العبارات المبهمة،يتراشقون بها في سياق الحديث كما لو كانت حواجز لابدّ من تخطّيها كي تكون جديرا بالعيش فوق جزيرة الشِّعر..لم يقرأ بيتا واحدا لأدونيس ،و حين يحتدّ النّقاش بين الأصدقاء في المقهى الأدبيّ أو في الأمسيات كان يلوذ بالصّمت  و ينتابه الضّيق  و رغبة في المغادرة و شعور بأنّ عناده لن يدوم طويلا و بأنّه سيضطرّ صاغرا لتعلّم لغتهم..و كان كلّما حدّث نفسه بأنّه بالضّرورة مخطىء و أن لا بطولة في الجهل على أيّة حال،أشرقت في قرارته خاطرة كالوميض ؛عندما كنّا صغارا 
    ،كان دائما صاحب الكرة هو الأكثر رداءة بيننا.

       دفع ثمن الكتاب و انصرف.تمنّى لو أنّ الكتاب قد صُدّر بمقدّمة تحوصل ما جرى في الملحمة،أو تشير على الأقلّ إلى بعض العلاقات ببساطة و اقتضاب.قال :سأقرأ فقط ما يجعلني قادرا على فتح فمي الّلعين و التّعليق بكلمة كلما عرّجوا نحو طروادة.في انتظار البقيّة.
      لم يشأ أن يفتح الكتاب إلاّ و هو مسترخٍ في بيته.أخذ الرّواية إلى الشّرفة؛في الأسفل باعة البنزين المهرّب يتمازحون بالأجساد . تناهى إلى مسامعه أنّ أفضل دفعة سيّارات نقل أنتجتها اليابان هي دفعة سنة ألفين و تسعة،و أنّ بلادنا لديها أسوأ خدمات اتّصالات في العالم.
     قلّب الصّفحة الأولى بحثا عن التّصدير.فوقعت عيناه على 
    أسطر مكتوبة بخطّ اليد كالإهداء أو ما شابه.

    قرأ:

    " إليك بالتّحديد أيّها المالك الجديد.
    أكتب هذه الأسطر و أنا أستمع إلى أغنية " شارل أزنافور " Hier encore j’avais vingt ans :
    بالأمس كان عمري عشرون. .

    البارحة احتفلت بعيد ميلادي العشرين ،لم يأتِ أحد من الأصدقاء الذين دعوتهم..اليوم عمري عشرون و يوم،أمر مضحك..ههه ،بوسعي أن أقول أنا أيضا :بالأمس كان عمري عشرون..ههه.
    هنا الغربة قاتلة و لا أحد يحاكمها.
    مارساي
    صيف 1970"


    قرأ الفقرة مرّات عديدة قبل أن يضع الكتاب جانبا.
    في رفّ الكتب ظلّت حزمة كبيرة من صفحات الملحمة كما هي،ملتصقة بالشّامبانيا.


    ***

    محمد فطومي
    30/4/2012

    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق