• الرئيسيّة

  • الاثنين، 23 أفريل 2012

    تُرى..





    * دعك من الأسئلة . هنا لا أحد يسأل لماذا حدث أي شيء.
    أنت غريب و أنا أعرف الغرباء من عيونهم الضائعة.إنّها مهمّتي.
    حيدر حيدر

    ****

        كنت أجمع أغطية علب الحليب في صغري.كنّا وقتها نظنّ أنّنا إذا جمعنا الكثير منها استبدلونا إيّاها بسيّارات حقيقيّة.عزمت أن أهدي السيّارة الأولى لوالدي فقط لأبرهن له أنّ الحياة سهلة،و أن لا قيمة للأشياء.  و أن لا معنى لغيابه طوال النّهار من أجل قفّة هزيلة.هي كذلك بالفعل ،مع ذلك خذلتني الدّنيا و جعلتني أذعن لضرورة العسر.
       انفرط عقد لؤلؤ مزيّف كانت غفران ابنة خالي تزيّن به جيدها.لم تحاول جمعه.اعتَقَدَتْ أنّه لن يعود كما كان،حصلت منه على حبّة . أردت أن أثبت لها أنّي فتى خارق و أنّ باستطاعتي فعل الكثير من أجلها . سمعت ناسا لا أعرفهم يتكلّمون عن تكاثر حبّات الّلؤلؤ بمجرّد حفظها في القطن مدّة طويلة.كتمت عنها السرّ . و قلت لنفسي سأدهشها بالعقد ،و سأنصرف دون أن أصغي لعبارات المديح .يعجبني نبل روبن هود . لم يتحدّثوا عن طول المدّة التي على الّلؤلىء أن يقضّيها في القطن،لذا كان عليّ أن أنتظر ستّة أشهر قبل أن أيأس .لم يتكاثر الّلؤلؤ . لم تمنحني الدّنيا فرصة الظّهور بمظهر الخارق أمام غفران.و قلتُ ليس من العدل أن لا تستجيب الكيمياء للرّغبات الملحّة جدّا.الصّادقة جدّا.و من جديد وجدتني أذعن لقانون العسر.ثمّ بعد ذلك خطبها أحدهم فقبلت به و رفضتني.
      الذي قبلت به غفران لا يفهم أنّ عليك احتضان فتاتك شهرا كلّما روت لك حادثة شقاء في طفولتها.
    و لا يدرك أنّ للفتيات الجميلات مثلها ألغازا دقيقة ،هنّ على يقين ،  بأنّ الرّجال  جواميس لا يقدّرونها.
     لبثت الأربعة أعوام الأولى في المدرسة أجمع الأسئلة :
    " ترى هل سيفرجون عن أخيك بينهم؟ "
    " من بالباب يا تُرى؟ "
    " تُرى متى ينطلق قطار العاشرة ؟ "
    " هل سيمرّ أنبوب الماء بالقرب من بيتنا يا تُرى ؟ "
    " تُرى أين نحن ؟ "
    " ترى كم عدد كجّات سلمى ؟ "
     كنت أجمع الأسئلة،و بي حيرة :
    من تُرى هذه التي تملك إجابة عن كلّ الأسئلة ؟
       سعادتي كانت ستفوق قدرتي على التّحمّل لو لبثتُ أبدا في حماقتي .يبدو أنّ هناك مقدارا من الفرح لا يحقّ لنا أن نبلغه و الدّنيا تعلم هذا،لذلك كشفت لي عن حقيقة تُرى في الصفّ الرّابع.اليوم أحتاج إلى تلك الحماقة أكثر من أيّ وقت مضى.كنت سأعدّ لتُرى حجرتي كما يليق بنابغة لا تتعذّر عليها الإجابة على كلّ الأسئلة.كنت سأزيّن الطّاولة بأفخر أنواع النّبيذ و الشّوكولاطة .كنت سأُجلسها على كرسيّ قبالتي كي تستريح ثمّ أسألها:
    ترى..أجيبي ..كم مرّة على الكرمة أن تموت كي يصدّق السُّكارى على الأقلّ أنّها مريضة؟
    ترى..أجيبي..أهناك من يشطب كتاباتنا،أم ترانا دون أن ندري نكتب فوق الشّطوب ؟

    كنت أيضا سأسألها و أمهلها دقائق للتّفكير:
    ترى...هل غفران بخير؟




    محمد فطومي
    20/4/2012

    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق