• الرئيسيّة

  • الخميس، 5 جانفي 2012

    حرّرني / كرسيستيان ايبال



    قصّة : كريستيان إيبال
    تعريب : محمد فطومي


    وداعا يا صديقي.
    أرأيت؟ها أنذا أبكي..
    لكنّ دمعة لن تستطيع غسل مشاعري الوسخة...
    لو كان على الأقلّ بوسعي أن لا أحتفظ  سوى بفرح طفولتنا و مراهقتنا اللاّمبالية ؛لكنّه وهم.و الحقيقة أنّ وضاعتي تلفّني كشرنقة.لأنّي لم أرافقك حتّى النّهاية.تلك النّهاية التي طالما أفزعتني.
    هل تسمعني؟أعترف بذنبي،حتّى و إن لم أكن موجودا ساعة اندلع الشرّ.
    إحساس بالخزي.هذا صحيح.. بالثّورة أيضا!
    لست أدينك يا صديق..و كيف أفعل؟
    حين تكون الحياة عبئا ثقيلا يسحقك،و شعورٌ لعينٌ بالضّيق يلغي كلّ ذرّة أمل لديك،و لا يكون أمامك غير ارتباك الحواسّ ،و لا يكون لديك رفقاء عدا الكآبة و الوحدة..حين يحلو الموت،و تُرفض استغاثاتك من أجل العتق...ستسقط حيّا في الجحيم.
    لم تقل لي شيئا..لم أر أبعد من حزنك،كنتُ مشغولا بشبابي و مغامراتي.
    أهو جرم أن يعلم أحدنا أن لا أمل له في الشّفاء فيرغب في حسم آلامه؟.حسب القانون نعم،و حسب رجال الدّين نعم.
    لم يبق إذن غير الضّمير لنتعلّق به.و بين الانتحار و الوجع اخترتَ الوجهة الأكثر إنسانيّة.
    و لكن لماذا؟لم الضّراوة و لم كانوا حازمين معك إلى هذا الحدّ؟لماذا؟
    ثمّة نهايات علينا لصالح أصحابها أن نستخفّ بها.
    جرأتك مدّتهم بالحجّة و قرّروا أن تعيش.لكن بأيّ ثمن؟
    كنتَ رجلا مضرّجا بالجروح و الكسور و الأنين و العاهات..رجلا غير قادر على أن يتصّرف في أيّ شيء بمفرده.
    محنتك بدأت من هناك.جسد و قلب مكسوران..تعذيب مستمرّ،لا يتوقّف،أن أراقبك تهوي..أن أفقد ذكرانا و ومضاتك ،الواحدة تلو الأخرى؛ لحظاتك مع أصدقائك،عائلتك،و كلّ الذين أحبّوك.. أن أراك تنزلق في كلّ لحظة أكثر نحو القاع و نحو اليأس و الخوف و الأسوىء و النّسيان..
    أحدا عشر سنة بلا هوادة..أحدا عشر سنة.
    محنة مشتركة و سخيّة،جمعت أقاربك و عائلتك و أصدقاءك.
    محنة لم تستثنني ،بلا ريب.أنا الذي لم أدر كيف أساعدك،أنا الذي عانيت لأنّك تعاني،أنا الذي تركك تتعذّب بسلام...
    أنا الذي رفض كما عمدا أن يفهم نداءك المذبوح..
    كنت أعزّ أصدقائك.
    سامحني..أتدري؟كنت مجرّد طفل.كنت خاوي الحيلة تماما،و منقبضا جدّا..
    ثمّ ما فائدة الذّرائع...
    إنّ لي أمنية واحدة.أن لا تكون قد وعيت بذبولك حتّى العمق.أو بأنّك تفنى ،أو بعذاباتنا بسببك ..أو أن تكون قد وعيت على وجه الخصوص بغيابي..
    و لست نادما سوى على أمر واحد؛أنّي لم أهتمّ بك ما يكفي لأجعلك تختار الحياة.
    أخيرا مِتّ.أخيرا تحرّرتَ.
    و عارضتُ المجتمع بعدك من أجلك لأنّه لا يسمح بتلطيف الموت للماضين نحوه لا محالة، الذين يمزّقهم المرض.و انتقدّته بشدّة لأنّه لا يؤنس هؤلاء أو يحنو عليهم.
    ثمّ أرسلتك في خيالي إلى الجنّة، بالرّغم من أنّ نظراتك المتوسّلة لا شيء يمحوها.
    بعد كلّ هذا..لا يهمّ ما إذا كنت قد تأخّرت أو قصّرت في حقّك،فقط وددت أن تعلم كم أفتقِدُك و كم أحببتك.
    ****


    كريستيان إيبال
    Christian Epalle
     كاتب فرنسيّ ولد سنة 1965 يعنى بالقصّة القصيرة و المقالات الفلسفيّة ،و يعرف بميله لأعمال الخيال العلمي.


     

    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق