بين حقل القمح و حقل الذّرة مسلك ترابيّ ضيّق يفضي إلى القرية،و يصلها بالطّريق المعبّد.توقّفت الحافلة و نزل منها ولدان.ثمّ أُغلق الباب.تسمّر الولدان برهة يراقبان انطلاق الحافلة مشيرين بأيديهما إلى فتيات جالسات في الخلف بحركات وعيد و تهكّم.
كان أحدهما أطول بقليل من الآخر،و حالما اجتازا ساقية موحلة نفضا أحذيتهما على الأرض .و شاهدا هدهدا قريبا يعلو بسرعة إذا خفق بجناحيه و ينخفض بسرعة إذا توقّف. كانت الشّمس توشك أن تغيب، و كانت في متناول أيديهما،بيد أنّهما انشغلا بأمر الهدهد و قرّرا إسقاطه و الإمساك به حيّا أو ميّتا.
و شرعا يقذفانه بالحجارة و عوض أن يبتعد اختبأ وسط السّنابل .ظلّ هناك و لم يخرج فأكمل الولدان مسيرهما يطوّق كل منهما عنق الآخر بذراعه.
سحب طويل القامة يده و أدخلها إلى جيبه و أخرج علبة شكولاطة .قدّم قطعة لصديقه .أخذها و تفحّصها و طلب المزيد،فخطفها من يده قائلا:- " إذن حتى هذه لن أعطيك إيّاها."
ثمّ واصلا المسير .كان الطّويل يأكل الشّكولاطة بتؤدة و يروي لصديقه كيف أنّ أخاه الأكبر باستطاعته لو أراد أن يرمي حجرا صوب السّماء فيضيع و لا يعود أبدا.فيما كان القصير يمشي بثبات و ينظر أمامه.
استرعت انتباههما أعواد رقيقة ملقاة هنا و هناك .يبدو أنّ أحدهم قد جلب الحطب منذ قليل.
التقط الطّويل اثنين منها.قدّم الأصغر لرفيقه قائلا:
- تبارزني؟
- موافق،لكن لا تضرب بجدّ.
- حسنا..الفائز هو الذي يلمس الآخر في أيّ مكان من جسمه بالعصا..سيكون الفائز هو الرّجل و الخاسر هو البنت.
- موافق،هيّا ابتعد قليلا.
تقاطعت العصيّ خمس مرّات قبل أن يتراجع القصير مسافة و يصيح:
- يكفي..لا أريد.
توقّف الطّويل حالا و ألقى بعود الحطب الذي بين يديه بعيدا و تابع السّير فاردا يديه و ساقيه.
التحق به القصير ،مشى إلى جواره و هو يلهث و قال: "تعبت" ،و ضرب صديقه بعود الحطب على مؤخّرته ضربة خفيفة كأنّه يقول :كم أنت قويّ ..ليتني أصبح مثلك.و ألقاها بعيدا و قال:"لنسرع".
و ظلاّ يمشيان جنبا إلى جنب مطمئنَّيْن فرحَيْن.
عند منتصف الطّريق أخرج الطّويل علبة الشّكولاطة و أعطى لصديقه قطعتين.و تناهت إلى مسامع الهدهد
ضحكات بعيدة،فغيّر مكانه.
محمد فطومي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق