• الرئيسيّة

  • الأحد، 15 جانفي 2012

    بين الأثر و بين شعبيّة الأثر مصطلح ضائع






    منذ أكثر من شهر و المصطلح يعوزني.

    ماذا أسمّي جملة العلاقات و الأمزجة و الوظائف الإنسانيّة و 
    البشائر التي يودعها الكاتب في قصّة قصيرة حتّي تنال إعجاب الناّس بإجماع الأغلبيّة على اختلاف فئاتهم و أجناسهم و تفوز بصفة المؤسّسة الإبداعيّة المتجدّدة و بجدارة أن تكون مرحلة ثابتة لابدّ منها لكلّ باحث ؟ و يحسّون معها بأنّهم أمسكوا بنشوة لذيذة ؟ و هل أنّ الإجماع أصلا موضع ثقة إذا أردنا الحكم على جودة عمل ما؟

      قبل أن أنطلق في استدراج العبارة للظّهور أفتح قوسا أحاول أن أطرح فيه تعريفي الخاصّ لمنطق الأغلبيّة الموسّعة و أناقش جاهزيّتها لتُغطّي دور المعيار الثقافيّ،إذ قد يتحصّل مشروع إبداعيّ ما على عشرة أصوات مؤيّدة من أصل عشرة،النّسبة هنا مائة بالمائة ،لكن إذا وسّعنا دائرة التّصويت و بسطنا ذات المشروع على جمهور بالملايين فإنّ احتمال حصوله على مئات الأصوات أمر جائز،و لا مبرّر لاستحالة حدوثه .وصولا إلى هذا الاستنتاج يمكنني القول بأنّي أثق في الأغلبيّة الموسّعة إذا تعلّق الأمر بالجيّد و دليلي البسيط على ذلك هو أنّي  لم أقف إلى حدّ هذه السّاعة أمام تحفة فنّيّة عالميّة متعجّبا: كيف استطاعت هذه الحيلة التّعيسة أن تنطلي على سكّان الكوكب عصرا بعد عصر! في المقابل أرفض بالقطع أن تكون الأغلبيّة الموسّعة محقّة دائما في استنكار بعض الأعمال المحترمة و أعزو سبب العزوف عنها إلى أنّها تجاوزت واقعها إلى واقع آخر غير الذي تربّت عليه مداركنا الأساسيّة،واقع يتنبّأ الكاتب أو يقرّر بأنّ عناصر الحياة فيه ستكون مركّبة على نحو مختلف تماما معوّلا أكثر في تصوّراته على قانون الحركة و التّغيّرات المنتظمة و المتواصلة للمفاهيم البشريّة حسب ما سيتاح لها أو يفرض عليها من أدوات و هزّات سياسيّة أو اقتصاديّة أو طبيعيّة قادمة على مرّ الزّمن.
      في هذه الحالة أرجّح أنّ حكم الإقصاء  يعلّله غياب التّطابق و الانسجام  العاطفيّ بين القيمة الفنّيّة للعمل الأدبيّ و بين واقعه الآنيّ و ينفيه حتما مدى وفائه للسّلوك المشترك الحاضر.و من جهتي  سوف لن أدافع عن رواية أو قصّة تنتظر من قارىء اليوم أن يتحمّس معها لقضايا الإنسان الحجريّ أو يتعاطف فيها مع معاناة العيش في كوكب تحكمه الآلة أو تسيطر عليه كائنات غريبة عن الأرض ،مهما زوّدها صاحبها بالتّراكيب المدهشة و الصّور الكلاميّة المتقنة.من دون أن تكون الإشارة في المضمون خلف البنية الحكائيّة موجّهة بشكل كلّي إليه و أعني قارىء اليوم.و أؤكّد على هذا الشّرط:أن ينتصر الكاتب فعلا لإنسان اليوم حتّى و هو تنسج خرافة.
     كيف استطاع شكسبير أن يشدّ انتباه الناس بصرف النّظر عن زمن القراءة و أن يقنع الذّاكرة الجماعيّة بأن تحتفظ بإنجازاته كعلاقة حميمة؟
     كيف استطاعت قصّة " الشّيخ و البحر" الطّويلة لهمنغواي أن تنجح على حساب رواية سميكة ضمّت بين دفّتيها أعقد المعضلات البشريّة :الجنس و الدّين و الوطن إلى غيرها من المصنّفات الخطيرة الأخرى ؟
    قد يبدو السّؤال متداولا و قديما ،لكن الأجوبة عليه أيضا قديمة و مخاتلة كأن يحفظ أحدهم درس التاريخ قبل دخول الاختبار بدقائق.
    أظنّ أنّ السرّ يكمن في أنّ همنغواي وقف إلى جانب الإنسان بوصفه ضحيّة وجوديّة تتقاذفها الأهواء و الغرائز و النّوازع و الاحتياجات الجسديّة و النّفسيّة و آمن أنّه يستحقّ الشّفقة مادام مدفوعا إلى الكفاح و مفطورا على عشق السّعادة.و قال أيّها الإنسان أنت مخلوق طيّب. ولعلّه كغيره من العظماء هاجم الضّعف البشريّ عوضا عن تأثيث أعماله بالضّعفاء طلبا لرواج أكبر.
     أعرف أنّ المصطلح المناسب يختبىء في مكان ما داخل مخيّلة كلّ فرد منّا.
    ربّما عثرت عليه يوما.في الوقت الحاضر سأكتفي بالقول بأنّه آن لكتّاب القصّة و أبدأ بنفسي بأن يكفّوا عن زرع العظات و العبر و النّتوءات البلاغيّة بقصد إثارة مجسّات النّشوة لدى القارىء.و أن يستبعدوا من كتاباتهم أسلوب إسناد شهادات البطولة و الشّهامة و النّبل و سحبها.و أن يقولوا للإنسان مهما انحرفت ممارساته في مصطلح واحد : نحن نفهمك.



    محمد فطومي
    14/1/2012

    هناك تعليقان (2):

    1. بسمة الصيادي20 جانفي 2012 في 4:18 م

      أستاذي القدير
      أشكرك لأنك تطرقت إلى هذا الموضوع
      برأيي المتواضع أن القصة تكتب لشخصياتها أولا، لناس ربما هم من الواقع وربما لا ..لكنهم يعبرون عن حالة عشناها إلى أبعد حد .. الشخصية هي صورة أخرى للكاتب بشكل أو بآخر، تقمصها أو ابتدعها ليعيش حياة أخرى ..
      مهمة الكاتب تنتهي عند آخر كلمة يكتبه في القصة ..وليست مهمته البحث عن الجمهور أو اختيار جمهوره .. بل القارئ هو من سيختاره ..
      لو كان الأمر لي لفضّلت قارئا واحدا مثقفا وواعيا على ألف قارئ ساذج ..!
      لا تهم الكمية أبدا ..
      أما لأن يصل أدبا إلى الكونية فعليه أن ينبع من إنسان صادق يفهم طبيعة البشر ويكون قلبه أكبر من أخطائهم و... كما تفضلت ..
      لك ألف شكر

      ردحذف
    2. مفاجأة سارّة بالفعل أن أجدك هنا بسمة الرّائعة.
      أهلا بك في هذا البيت الصّغير المتواضع.
      كم كانت سعادتي كبيرة حين طالعت تعليقك هذا الصّباح..تصدّقين،لم أنتبه إليه إلاّ اليوم..
      لا تهتمّي ،يحدث أن أغفل عن رؤية وجهي في المرآة ليومين متتاليين.

      كلامك صحيح بسمة.أظنّ أنّ الكاتب أيضا بحاجة لقارىء،ة لو واحد فقط يقول له و لو في سرّه :أفهمك،استمرّ..
      و يبدو أنّي وجدت القارىء الذي تحلمين و أحلم به،أصلا ليس هناك أحد سواه هنا..
      أنتظر إطلالتك من وقت إلى آخر،و سأرتّب البيت بشكل أفضل في المرّة القادمة.
      ثمّ لماذا؟
      لست ضيفة.
      مودّتي لك.

      ردحذف