• الرئيسيّة

  • الأربعاء، 4 جانفي 2012

    القصّة القصيرة و خدعة المفاهيم




    إنّ القصّة القصيرة تمرّ اليوم و أكثر من أيّ وقت مضى بأكبر أزماتها منذ تبنّيها .و هذا يعود لأمريين على قدر كبير من الأهمّيّة و الخطورة،أوّلا انصرافنا إلى التّشبّع بالنّظريّات و المفاهيم التي تعرّف القصّة و تصنّف أساليبها بإطناب مملّ و منفّر في أحيان كثيرة و تدّعي أنّها تبتّ فيها بشكل نهائيّ ،ثمّ انحرافنا على المسار الصّحيح أو بعبارة أدقّ عن المطلوب،و المطلوب حاليّا ربحا للوقت و حقنا لمستقبلنا الإبداعيّ و تصويبا لوجهته نحو المدى البعيد و الأمثل و الأرقى هو أن نفكّر بجدّيّة في هدم الأسقف التي نضعها بأنفسنا لأعمالنا الفنّيّة  و لأعمال غيرنا و التي تخنقها و تعيدنا إلى الوراء ليس إلاّ و تمنعها من الوصول إلى العالم..أتساءل لم لا نضع العالم نصب أعيننا و نحن نكتب قصّة أو قصيدة؟
    لِمَ نحلم بشكل مضيّق ،في حين أنّ الحلم الأرحب لا يكلّفنا شيئا على الإطلاق:
    لاحظت ظاهرة تقليد الكتاب بعضهم لبعض كأنّ المسألة تعويذة يهلكون إذا نطقوا بها على نحو خاطىء أو مخالف أو كما لو كانت "كيفيّة استعمال".فتجدهم يؤثّثون منجزاتهم بقوالب معقّدة تتوه بالفكر و لا تفيد المعنى،و بخاتمة يحرصون على أن تكون "عكسيّة" أو صادمة كما تعبّر عنها الأغلبيّة،فيصبح النصّ بالتّالي أقرب إلى النّكتة أو إلى الموقف لا أكثر..ما ضرّ لو وجّهنا طموحنا نحو أبعد نقطة يمكن أن يطالها الفنّ؟ و الفنّ لا يعني بالضّرورة الشّاعريّة و الرّومانسيّة و السّرد البديع و البكائيّات التي تدين كلّ شيء بقتامة مفبركة.الفنّ هو أن نقدّم المتعة للغير و نحرّضهم على التّفكير في آن دون أن نفرض عليهم انطباعا جاهزا،أو أن نسلّط عليهم وقعا من اختيارنا.
    لِمَ يشحن كتّابنا أعمالهم بطاقة ضعيفة لا تسمح لها بأن تتجاوز عتبة بيوتهم؟
    جوهر الموضوع في تقديري:أن نحرّر أنفسنا من الكتابة حسب الطّلب لصنف من القرّاء الموصوفين ،و أن نتخلّص من التّفكير العاجز و الانهزاميّ قبل المعركة و أقصد هنا الكتابة حسب مقاس منتدى له وجهة فكريّة معيّنة يشجّع مشرفوه وفقا للعادة أسلوبا دون آخر،أو جمعيّة معيّنة تهوى الحديث في السّياسة ،أو لجنة عُرفت بأنّها تهتف للأدب السّاخر أكثر من غيره أو صحيفة لا تمرّر سوى الأعمال التي تعرّج على قضيّة المرأة و الأمثلة عديدة،بل أستطيع الجزم بأنّ الأسقف لا حصر لها...و إذا قدّمت لهم النّصيحة و حاولت حثّهم على مخاطبة الإنسان كما يفهم الإنسان لا كما تحبّ المنظّمات و المجلاّت قالوا : في الأخير نحن نتسلّى..و هل تصدّق أنّ أحدنا سيصبح له شأن في الأدب العالميّ يوما ما؟ 
    لن نفلح أبدا إذا ظلّ هدفنا شدّ انتباه بعضنا البعض.آن الأوان لنكتب للإنسان أينما كان،و أن نراجع تجاربنا حتّى لا نسلب أعمالنا حظّها في التّحليق إلى آفاق لا حدود لها بحياد و مسؤوليّة.آفاق تنتصر للمعنى الصّحيح و للمرونة و للتّصور الواعي و الصّحيح لرسالة الأدب و أن نسلك نهج الصّدق في الأداء،و أن لا نحرمها و نحرم أنفسنا حقّنا في الانتشار و إذاعة أحلامنا خارج أسوارنا و التّأثير على البريطانيّ و على النيروبي و على الصّيني على حدّ سواء.لم لا؟
    ليس هناك داع لهذه الـ"لاّ" إلاّ إذا أردناه لها.ليس هناك من داع لنُخْلِص لفئة بعينها من القرّاء لا لشيء إلاّ لأنّهم يمدحوننا و يسمعوننا ما نودّ سماعه و يجعلوننا نعيش الحلم دون تكاليف.إلاّ إذا كانت البلادة لا تعنينا بقدر ما يعنينا المديح و المجاملات ..القضيّة في نظري قضيّة خمول و تسرّع إذن.
    و الحلّ هو أن نفسح المجال لعقولنا كي تتكوّن ،هذا ضروريّ للغاية .و أن نكفّ عن السّعي بأيّ طريقة لجني الثّناء السّهل . و أن نخوض تجربة النّدّيّة.و أن نخوض التّجربة بندّيّة.
    أعتقد أنّ محفوظ و يوسف إدريس و إحسان عبد القدوس و يحيى الطّاهر عبد الله و آخرون ممّن مثّلوا العرب و تركوا تصاميم رائعة للقصّة كنموذج فهموا المطلوب و اقتحموا المجال بندّيّة و صوّبوا فنّهم باتّجاه صميم المحن المشتركة بين البشر بطيبة و مرح و جدّيّة و احترام للفكر المشترك و للإنسان.كانوا يكتبون بلا حدود أو أسقف ،للبسيط و عنه و للمثقّف و عنه ،للجميع و عن الجميع ،بأسلوب مشوّق ،محايد و كانوا  يختارون بعناية مواقفهم التي إذا ساقوها في النصّ أغنت عن عديد الدّراسات النّفسيّة و الاجتماعيّة الجوفاء، لذلك أمكنهم أن يصيروا كتاب عالميّين،هذا هو السرّ من وجهة نظري.


    محمد فطومي

    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق