• الرئيسيّة

  • الثلاثاء، 3 جانفي 2012

    كذبة ما..




    غُفران..غفران..
    كانت ناعمة كغزال،و كنت عطشا كغزال،و والدها كان انتهازيّا كغزال..
    و أمتلك أكثر من شرح لما حدث و يحدث..و ستدرك ذات الإصغاء المتمرّد،الطّفل،و لو متأخّرا حجم الخدمة التي قدّمتها لها و أنا أتجاهل أسئلتها المحشوّة بالمغامرة و الأمل و البياض..الواحد تلو الآخر.
    و تستفيق غفران كلّ صباح على نغمة و شمس،و تستفيق صباحاتي البعيدة ، المشتهاة ، الفائرة في دمي كلّما هبّت عيناها فوقي كنسمة مطر..و آخذها من يدها و نركض عبر مسارب الظلّ الملتوية في قريتي.نصل إلى العين.يشرق خصرها حين يتلألأ الماء حوله .تدخل الحوض حافية القدمين،أصابعها بلون الحصى.ترقص أمامي بفستانها البرتقاليّ كفراشة.لا نتكلّم.لا يجوز أن نتكلّم.أحيطها بذراعيّ و ندور و ندور..تخلو البلدة من أهلها فجأة كما لو أخذتهم الصّيحة ،و لا نكترث.نمرّ أمام الفيلاّ المهجورة لمدير المنجم.نتسلّق السّور،و نقفز.الأراجيح تفوح منها بعدُ خصومات الأطفال الفرنسيين الذين مرّوا بها .نعرج ناحية بركة البطّ.رذاذ أجنحتها القزحيّة لا يزال عالقا في الفضاء.و تضع امرأتي رأسها الصّغيرعلى كتفي.أفهم ما تريد قوله.تغمض عينيها برهة و تفتحهما و أهمس في أذنها :"ما رأيك أن نتدحرج على العشب كحبّتي زيتون؟"
     و نجلس فوق مقعد خشبيّ تحت سقف من كرْم ،و تلامس رموشها جبهتي بحنوّ.و تعيدني أنفاسها المبلّلة بالقطن و السكّر و السّفر و الدّنيا في طرفة عين إلى محطّة القطارات حيث أبي و ساعة الجدار الضّخمة ،و حيث أصدقائي العراة يشاكسونني و يغرونني بزعامتهم لئلاّ أنتبه إلاّ و قد أغلق أبي باب عربة القيادة و مضى..لئلاّ يُغيظهم عناقنا..و آخذها إلى هناك لأريها بقايا شبكة الصّيد البالية العالقة في القاطرة الأخيرة و أروي لها كيف كنّا نلهو بها،و نعتقد أنّه لم يعد ينقصنا بعد الآن سوى بحر و زورق..
    ثمّ تبتلعنا ثنايا الظلّ الملتوية من جديد و نتّحد..
    قالت :" حين أصير محامية كبيرة سأتعامل بنبل مع حرفائي..فأنا أكره الطّرق الملتوية."
    قلت كأنّي أرغمها على أن تمرض بخواطري :" تخطئين.. فالطّرق الملتوية تهوّن المنحدرات." و أيقنتُ أنّ نقمة ما غريبة عن أطواري باتت تتشكّل و تشتدّ كلّما ثبت لي أنّي مجرّد حصان سباق لدى والدها.
    و يعود لي رشدي و أجدني من جديد رجلا خطيرا ينتمي إلى قطيع من السّفلة الذين أحبّوا الأرض و كرهوا النّظام،يلقى عليه القبض و يحاكم ثمانية عشر عاما من السّجن دون احتساب سنة التّوقيف بتهمة الخيانة.. كم هو مريع أن تجد نفسك في مكان لا وجود فيه لذرّة خرافة.
     و بكر محيي الدّين فراء أرتديه و أنتزعه،كناية مستعارة حتّمها عليّ واقعي الجديد كمدرّس خصوصيّ لفتاة حسناء بأمر من صاحب الأمر و النّهي،و لم أكن أستاذا مستقيلا من كلّيّة الحقوق قسم القانون الجنائي كما جعلناها تعتقد كي لا تشربني بازدراء،و لم تكن الملابس التي كان يدهشها تناسقها و ألوانها و بساطتها من اختياري، و لم أكن أتقاضى من والدها راتبا خياليّا كما كانت تلمّح لاستفزازي،و إن كنت أتظاهر بأنّها تنجح في إثارة أعصابي..و سجّلت على نفسي في عديد المناسبات أنّي أتكاذب و لست أكذب.ألسنا نقول أتمارض و أتماوت ؟فماذا نسمّي من يريد أن يوهم الآخرين بأنّه يكذب؟
    " - أستاذ ..لو سألتك هل تجيبني بصراحة؟
    - سأجيبك و كفى..
    - كم تتقاضى من والدي؟ "
    أكاد أعترف لها بكلّ شيء وقتها لفرط ما أعجبتني ربطة شعرها و سترتها الزّرقاء السّماويّة .كنت سأقول لها بأنّي آتيها من السّجن و أعود إليه بعد خروجي من عندها مباشرة،و بأنّي أتقاضى شرف دخول بيت الرّائد سالم عبد الوهّاب لا غير.و لكنّي كنت أوهمها كما في كلّ مرّة بأنّ سؤالها يزعجني و أجيب متظاهرا بأنّي فشلت في دفع الحرج عن نفسي:
    - دعينا من هذه السّخافات؛ لنعد إلى الدّرس..
    و لنشكر الأشياء الخسيسة و الرّائعة التي لا تمانع أن نتظاهر بها..
    كنت دائما بدافع ما أفصح لها بصدق غامض عمّا يجول حقيقة بخاطري لحظتها كتأويل يناقض ما أقول.و أشعر أنّها تشكّ بشيء ما،و هذا يخفّف من ضراوة واجبي بأن أكون مجرّد حصّالة من جليد.كانت حرارتي تُنتهك أمامي كلّما عرّجت بي نحو تفاصيل حياتي و أضطرّ للمناورة أو الكذب.لم يكن لديّ سبيل آخر لنتحقّق جميعا إلاّ بالّلغة المشفّرة آملا أن تفهم على الأقلّ أنّي أعاني مأزقا ما..و لا أستبعد أن نكون تحت الرّقابة و أنّ أجهزة التصنّت و الكاميرات تحيط بنا من كلّ جانب.
     و متّ بعدها قليلا،قليلا، كقطعة حديد ملتهبة برّدوها في الخلاء درجة؛ درجة..و بعدها كلّفوني بوظائف أخرى.عملت بمطبخ السّجن ،ثمّ في الغسّالة،ثمّ في مشاريع ذات صبغة عامّة كما يسمّونها؛ جسور،أسوار مدارس،طرقات،تشجير،قنوات ،كنت أخشى أن تصادفني في إحداها حتّى و نحن في القفار.و أعجب كيف لم يفكّر والدها في هذه الجزئيّة رغم دهائه الشّنيع؟ كان بالإمكان أن نلتقي مصادفة هي بالسيّارة و أنا أكنّس الشّوارع مع أصدقائي  تحت حراسة مشدّدة،تماما كما كنت أدرسّها تحت حراسة مشدّدة بذريعة خوفه عليها من نفحة الهواء.
    ثمّ استلقيت على ظهري دهرا أتأمّل عذوبة وجهها و ألوك حواراتنا و أستعيد رنين صوتها و رقبتها الذّهبيّة و شغبها السّاحر و أبرُد على مهل..
    و سعيد أنّك تقتلينني اليوم بصراحة و بلا رأفة..كما علّمتك..أو بالأحرى كما اتّفقنا..لأن لا أحد يعلّم الآخر:
    قالت: " أريد أن أتعلّم منك كلّ شيء.يقول أبي بأنّك نابغة.."
    سمعت من الرّائد سالم عبد الوهّاب هذه الكلمة أوّل يوم ساقوني لمقابلته.يومها دخل علينا أحد رجاله .كان جالسا وراء مكتبه و حدقة عينين تكاد تختفي تحت أجفانه ،كان يبدو عليه الإعياء و الإحباط كفقمة بلعت علبة صفيح .و تمتم له الرّجل بكلمات لم أتبيّنها.ردّ عليه ساعتها باشمئزاز :طيّب..أريد التّقرير غدا على مكتبي و لا تنسوا ؛حتّى الإشاعات التّافهة أريد أن تبلّغوني بها..
    ثمّ بعدها التفت إليّ و ابتسم ابتسامة مزرية جعلتني أشكّ بأنّي أنا من طلبت مقابلته،و قال:
    - لقد اطّلعت على ملفّك و تبيّن لي أنّ نشاطك خال من سوء النيّة،و أنوي مساعدتك.
    لذلك تُراني قلت لها كأنّي أتشفّى :
    - تعلّمي أن تجهلي العديد من المسائل أوّلا..لو نجحت في ذلك.سوف تعثرين بالتّأكيد على قضيّة عمرك..رهانَك الذي لا معنى لحياتك بدونه.
    وضعت يدها على خدّها بدلال و قالت:
    - لم أفهم ..أحيانا أحسّ أنّك تعقّد الأمور حيث يجب أن تكون سهلة و العكس بالعكس..
    - أنا دائما أبسّطها ،لكنّ القانون السّمج الذي بين يديك هو الذي يعقّدها..
    - غريب..أنت تقول هذا؟ماذا يقول أعداء القانون إذن؟
    - ليس هناك أعداء للقانون،ثمّة حمقى..
    قالت بنبرة حالمة:
    - قل بصدق ؛ ألا يستهويك أن تكون قاضيا؟
    قلت بيسر لأنّي تساءلته من قبل،و بدا عليها أنّ بديهتي قد أبهرتها:
    " لا أصلح أن أكون قاضيا يا صديقتي..أتدرين لماذا؟ لأنّي قد أبرّر قاتلا متسلسلا لو اتّضح لي أنّه زرع  في طفولته شتلة نعناع في أصيص ،ثمّ راح يسقيها حتّى كبرت،و لمّا ظنّ أنّه يمتلك أكبر غابة نعناع في الكون قدّم  نادل المقهى لوالده و هو يراقب كوب شاي و قد رصّ فيه حزمة أكبر و أينع من كنزه الأخضر.."
    و تبادر إلى ذهني لحظة قطّبت جبينها أن لا فرق بينها و بين والدها،و كرهتها للحظة،و راودني إحساس مخجل بأنّي أدوّس بقوّة و لا أتقدّم،و حين عدت إلى السّجن اشتقت لها أكثر من كلّ مرّة و دخّنت سجائر اليوم التّالي أيضا.و قرّرت أن أتحرّر من تعليمات والدها:
    " اسمع يا بنيّ..كنّا شبابا نحن أيضا و ارتكبنا الأخطاء و لكن في حدود المعقول..لذا لا أريد سموما وسط الدّروس..مفهوم!"
    عرفت بعد هذه الجملة أنّ ابنته هي الوطن.و بتّ ليلتي أقاوم شعورا مقزّزا بأنّ ملامحه مرسومة على وجهي،و انتبهت إلى أنّي أستمع لخالد رفيق السّرير و قد تقلّصت وجنتي اليسرى و ارتفع حاجباي و برزت عيناي قليلا،و استقرّ في مخيّلتي أنّ غفران بحاجة إلى سمومي لتتفوّق،و خطر لي أنّ السّموم ترياق الملدوغين..و قلت لها مساء ما :إنّ ألذّ ما قد نجرّب على الإطلاق،هو أن نتداعى بصدق و نسير نحو نهاياتنا بصدق ،لكن ليس قبل أن نجرّب مزالق الكذب جميعها..
    يوم طلبت منّي أن أحضر لها في المرّة القادمة قرنفلة صفراء.بدا لي حينها أنّ الحرّيّة هي أن نقطف قرنفلة صفراء دون الّلجوء إلى معجزة ،و افتقدّت الشّرفات ..و خيّبَتها في الأخير:
    " غفران..لست رخوا إلى هذا الحدّ.."
    سيتخلّى عنّي والدها بعد انتهاء المهمّة هذا أكيد.و سأختفي فجأة من حياتها دون أن تجد تفسيرا مقنعا لذلك.طبعا ستسأل عنّي والدها و سيجيب:في الواقع لقد سافر الأستاذ بكر..يقول بأن لا مستقبل له في هذه البلاد.حينها ستقول : الرّجال حزمة أوراق ماليّة لا غير.و ستلقي بي في محرقة الرّجال.
    و ساورني الضّيق و قلت:ها أعلم كلّ هذا فلم لا أصارحها و أرحل بسلام،مادمت سأرحل في الحالتين؟
    ثمّ تراجعت :لا لن أفعل،فقد تروّعها فكرة أنّي أزاول السّجن و أخالط المنحرفين و الجدران العفنة ثمّ أجلس إليها..
    أرأيتِ كم هو لذيذ و مثير أن نجهل العديد من الأمور..؟  
    و تقف أمامي غفران زائرة فوق ما أتوقّع ،و أرتسم في أجفانها كالمدمن في عينَيْ المدمن.و تقف أمامي موسيقى و طفولة و قمح مضيء و مطر خجول و أشياء أخرى لا أحتمل رؤيتها و أشتهي أن أمدّ يدي و ألمس أناملها النّاعمة عبر فراغات الشّبكة المعدنيّة.و أقول لها بلا صوت و بلا رغبة في أيّ شيء: كنتِ ضحيّة أكثر منّي..
    تذكرين؟
     تذكرين يوم دخلت غرفتك أوّل مرّة ؟ كنت مرتبكا جدّا و بدا لي كأنّ دموعا تهطل داخل حنجرتي،كنت تحدّقين بي تراقبين حركاتي المبعثرة و تخفين ابتسامتك الّلذيذة الطيّبة:
    - تفضّل أستاذ بكر..ألم يرق لك المكان؟
    غرفتك كانت حديقة برّيّة ،و قلت في نفسي حين أبصرت قيثارة معلّقة أين من المفترض أن تكون النّافذة ذات القضبان في غرفة السّجن من حيث أبصر: "إنّ الخشب أحنّ من الحديد".
    و قلت لك وقتها ممازحا،غير مصدّق أنّ للحزن وجها أحلى بكثير من الفرح:
    - لا..لا بالعكس،عذرا و لكنّي بصراحة أحسّ بأنّي جرادة حوصرت في معرض فنون تشكيليّة.
    ضحكت ِ وقتها.و راودني ندم خفيف لأنّي جعلتك تسمعين لغة تحجّرها صفقة الجانب الواحد التي بيني و بين والدك الرّائد.و تكلّم ظلّه بداخلي ينهرني: تافه ! حقير ! ما هذا الكلام السّوقيّ .تهذّب و إلاّ أعدتك إلى المغارة..
    هكذا يعلو الصّوت إلى رأسي و تجلجل اهتزازاته المريعة مهدّدة إيّاي بدهليز الوزارة رغم أنّي كنت أخاف الانقطاع عن رؤيتك لا أكثر.
    و أستحضر كلامه و هو يلقّنني الدّور:
    " حفاظك على السرّ سيجعلك تكبر في عيني،و لا حاجة لأذكّرك ما معنى أن تسفل في عيني أو تخذلني..و تذكّر:لا أريد سموما وسط الدّروس.."
    للأمانة لم يمل عليّ الرّائد كلّ التّدابير. كان شهما و مقامرا لدرجة أنّه فسح لي المجال كي أتصرّف أحيانا بمعرفتي ،كأنّه آمن بحاجتك لبعض القسوة و التّفكير الضّال،و لكن دائما في حدود ما اتّفقنا عليه.كانت غايته الوحيدة أن تنجحي بامتياز مثلما نجحت أنا،لكن دون أن تعظّي يد الدّولة التي سلّمتك الجائزة التقديريّة مثلي.سمّها مآمرة لو شئت.أنا هنا بالأساس بتهمة التّآمر على الوطن بأسره.
    يوم سألتني عمّا إذا كنت قد أحببت امرأة من قبل أم لا..أحسست أنّ بقائي معها صار مهدّدا و أنّ إجابتي خطيرة إلى درجة أنّها قد تحدّد مصيري كرجل يرغب في أن يرى هذه الفتاة كلّ دقيقة و آثرت أن أغضبها بإجابة تسرّ والدها،ليقيني بأنّ مسألة بقائي بيده و ليست بيدها:
    " أرجوك آنسة غفران ..ليس هذا موضوعنا. "
    معادلة الغزلان الثّلاثة تبعثرني.
    ليلة الامتحان كانت الأخيرة.و اكتشفت أنّي تخلّصت من وصايا الرّائد المحترم:
    " بكر..سأذهل الجميع بفضلك"
    كنت أعلم و تجهلين أنّي لن أراك مجدّدا و قلت أودّعك:كوني على ثقة تامّة أنّك لو أتقنت إلقاء مسودّاتك على مسامعك لحرّرت أجمل التّجارب و لأذهلت الجميع..
    غفران..غفران ..
    ما هذا الموقف الرّهيب؟ما الذي أتى بك بعد أكثر من عشرة أعوام؟ لو لم أكن أعرف أنّك من حليب لقلت جاءت تتفرّج في نسختي المتوحّشة..حياتي،إن كنتِ هنا لغاية غير السّخرية منّي فأنت مخطئة..و لا تنتظري منّي أن أُصعق لرؤيتك و يتدلّى فكّي و أنهار باكيا ..
    قولي،ما رأيك بهذا المنظر الحقيقيّ ؟ ما رأيك بهذه الخنفساء القذرة؟
    لمَ كان عليّ دائما أن ألقاكِ بهيأة رجل مطليّ بحشرة مفزوعة؟
    لم جئتِ ؟ و كيف غرّرت بالرّائد حتّى يطلعك على صفقة الجانب الواحد؟
    ألم نتّفق على أن  نوفّر على آلهة الإغريق عيونا كانت ستبصر أنوفها المحطّمة..ألم نقل بأنّ سلوكا كهذا سيصلها بالتّأكيد بشكل أو بآخر؟ 
    كان عليك ألاّ تأتِ..
    لم أعد أستحقّ اهتمامك..
     في البداية قاسيتُ هذا صحيح ،لكنّي بعد ذلك صمّمت مناعة أحتمي بها  من انطفائك على لحمي.كان لزاما عليّ أن أفكّر بشكل مختلف كي أعيش و أحتال على تركيبتي كي لا يتلاشى حلمي.و قلت في نفسي :إنّ الحبّ سائل كيميائيّ يفرزه الدّماغ،و لست في الأخير سوى عنصر  جاهز لكلّ أنواع العقاب.
    و دار بيننا صمت هادر هاتك قبل أن تنطق:علمت أنّ اسمك ثامر..و جئت لأقول لك بأنّي حقّقت أكثر ممّا أراد والدي،و أنّي أحتقركما جدّا!.
    و غفّت  الصّباحات،و بدت لي غفران امرأة لم تكن لتنجو من الطّوفان لولا الزّورق الذي صنعه زوجها قبل أن يجرفه التيّار..و لمّا حطّها السّيل شكته لأوّل غريب:لست آسفة عليه . كان دائما لاهيا عنّي بِلَيّ الخشب ..
    استدارت و غادرت بخطوات قويّة،و عدت إلى السّاحة.أسندت ظهري إلى الجدار و أشعلت سيجارة و اشتهيت قهوة ساخنة أطرد بها طعما رديئا بحلقي،و فكّرت بأنّ رذاذ أجنحة البطّ القزحيّة لابدّ سقط وسط البركة الفارغة..



    محمد فطومي

    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق