• الرئيسيّة

  • الثلاثاء، 4 ماي 2021

     مقطع من كتاب (قوّة العمر) / سيمون دي بوفوار


    تكمن أصالة سارتر وجديدُه في أنّه يولي الواقع وزنه كاملا، مانحا الضّمير استقلاليّة سامية؛ فمنهجُه الذّهني ينساق إلى المعرفة بسلاسة كاملة آخذا بعين الاعتبار كيانه غير القابل للانتقاص؛ لم يكن يقبل تنافرا بين النّظر وبين 

    الشيء المتأمَّل، ما يجعله في مواجهة مآزق شائكة: لكن أبدا، لم تكن المصاعب تُحبِطُ قناعاته. هل تُعزى هذه الواقعيّة العنيدة إلى الاعتزاز بالنّفس أم للحبّ؟ كان يرفُض أن يُأخَذَ الإنسان رهينة المظاهر؛ وكان مُتعلّقا بشغف بالأرض كي يختزلها في وهم؛ تُلهمه حيويّته تفاؤلا يتأكّد معه، بنفس الألق، الشيء والموضوع. يستحيل الإيمان بالألوان وباهتزاز "الإيثير" éther، عاب على العلم: كان يمشي على خطى ورثة منهج نقد المثاليّة؛ لكن باختلاف مُذهل، كان يركل مبدأ وجود فكرة كونيّة؛ لم تكن القوانين، المفاهيم، وكلّ الأفكار المُجرّدة، تُخلّف غير الرّيح؛ اتّفق الناسُ ضمنيّا على قطفها من بين أيدي بعضهم البعض، لأنّها تحجب عنهم حقيقة تُزعجهم مواجهتها؛ كان هو يريد أن يقبض عليها حيّة؛ كان يدين التحاليل التي لا تُشرّح سوى الجثث؛ كان يسعى وراء ذكاء شامل يُعنى بالملموس، أي بالفردي، إذ لا وجود لغير الفرد. من بين الأفكار الميتافيزيقيّة، لم يكن يقبل سوى تلك التي تعتبر الكون (الكوس-موسcos-mos) كُلّية مُركّبة: فلسفة سبينوزا والفلسفة الرواقيّة. فيما يجد آرون غايته في التّحليل النّقدي وعمِلَ على تجزئة نتائج سارتر المُتهوّرة؛ كان فنّانا في مُحاصرة محاوره داخل المُعضلات، وحين يُمسك به، فإنّه يذرّ في عيونه الرّماد. «من بين أمريْن، هناك واحد صائب، رفيقي الصّغير»، كان يقول بابتسامة شاحبة من عيْنَيْه الزّرقاوَيْن، المُحبَطَتيْن والذكيّتيْن جدّا. يقاوم سارتر حتّى لا يقع في أسر كلماته، لكن وبما أن تفكيره كان خلاّقا أكثر من كونه منطقيّا، فقد كان دائما ينجح في الإفلات. لا أذكُر أنّه أقنع آرون يوما، ولا أن يكون الأخيرُ قد نجح في أعجزه.

    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق