• الرئيسيّة

  • الخميس، 24 ماي 2012

    الشّريط القصير و الأقصوصة




     الشّريط السّينمائي عمل مركّب يخضع لمنطق مرحليّة الإنجاز و تجميع المقاطع  ،و هي عبارة عن مهمّات موزّعة على اختصاصات متعدّدة : كوافيير،مؤثّرات و خدع، ملابس، سيناريو، إضاءة، تصوير، تمثيل،هندسة صوت، مشاهد،مونتاج إخراج.. لنحصل في الأخير على وحدة  فنّيّة سمعيّة بصريّة مترابطة العناصر و المكوّنات، مشكِّلة مقترحا ثقافيّا معرفيّا مسلّيا ،بديلا عن تحصيل الفكرة عبر القراءة من كتاب ورقيّ.
    لكنّ السّؤال الذي يقحم نفسه وجوبا  :هل الأقصوصة هي المادّة الأولى للشّريط السّينمائيّ القصير بالضّرورة ؟
    هل يمتلك السّيناريو خاصّيّة النصّ الأدبيّ الأصليّ فيُغني عنه أو يُقصيه ؟ أي هل بإمكاننا أن نبدأ التّصوير مباشرة انطلاقا من مرحلة التّلقين و إسداء التّعليمات دون المرور بما يسمّى النصّ المؤسّس ؟
      و هل من مبرّر للقطيعة بين صنّاع الشّريط القصير العرب و بين كتّاب القصّة عدا أن يكون هناك خللا في تسخير النّصوص الأدبيّة لخدمة الدّراما ،و انعدام ثقة من جانب السّينمائيّين تجاه القاصّين،يقابله عدم فهم من جهة القاصّين لما هو مطلوب منهم في عصر باتت تسيطر عليه الصّورة ؟ .. إنّ ما تستخلصه و أنت تقرأ لهذا و تشاهد لذاك ،هو أنّ الطّرفين لم يلتقيا بعد ! تماما كأن ننكر على الشّجرة بأنّها الطّور الأوّل لقاعات جلوسنا و غرف نومنا ..المؤسف هو أنّك إذا سألت السينمائيّين عن سبب تجاهلهم للإنتاج القصصيّ بصورة عامّة و لافتة لقالوا  بأنّه لا يرتقي لمستوى التّجسيد الحركي المُثير لشهيّة التّحويل.في حين أنّ الأزمة الحقيقيّة هي أزمة قراءة و بحث و اطّلاع و مغامرة و مبادرة، و الأصل في الأشياء إذا أردنا البرهنة على ذلك ،أنّه لم و لن يأتي على الإنسان حين من الدّهر خلا أو سيخلو  فيه من المواهب الحقيقيّة المبدعة الخلاّقة التي تستحقّ المتابعة.
     بلى ثمّة نصوص قصصيّة جيّدة و هي على قلّتها تضيء الجانب الإنسانيّ في الإنسان و تجادله و ترصد الحدث الغريب و تقدّم التّشويق و الدّهشة و تفتح بابا آخر من أبواب الحيرة الّلذيذة الهدّامة للمتداول و الجاهز و تطبع في الذّاكرة أثرا بحجم ردود الفعل و الآثار النّفسيّة التي شكّلت ملامح الشّخصيّات..و إذا تجاوزنا مسألة ضعف الإنتاج  السّينمائيّ أصلا فمن باب أولى و أحرى إذن أن نشتري الدّواء من الصّيدليّة لا من المخبزة ، و أن نتحدّث عن انتقاء لا عن حلول بديلة . قياسا فإنّ على صنّاع الشّريط القصير هواة كانوا أم محترفين أن يبحثوا غير بعيد.
       أمّا كتّاب القصّة و بما أنّ موضوعنا أشبه بترتيب لقاء بين قمّاش و بين مصمّم أزياء،فإنّنا كقرّاء لهذا و متابعين لذاك نلاحظ أنّ بإمكان هؤلاء تزويد المشهد الدّرامي بأعمال ممتازة بل و تنشيطه ، بشرط أن يقدّموا مادّة تحترم مبدأ الحياد و نقل المفارقات الحارّة و الوخزات الدّقيقة و الهزّات العنيفة بصدق و اختصار و بساطة من خلال استعمال أسلوب الإيحاء و الإشارة و ترك فراغات دلاليّة تمكّن القارىء من مواصلة عمليّة التّفكير فالقضيّة إذن هي قضيّة استدراج للأبصار لا توجيهها .
         المسؤوليّة مشركة  فالسّينمائيّون مقصّرون في البحث عن المدوّنة المناسبة لأعمالهم معوّلين فقط على السّيناريو.
     و  جلّ كتّاب القصّة قد زاغ إمّا بذريعة التّجديد أو الجهل أو التّطفّل عن كتابتها بالشّكل المرغوب و نسي أو تناسى أنّ القصّة القصيرة هي أن تذيع نظريّة من خلال إلقاء نظرة..حتّى أنّ المشهد  الأدبيّ  اليوم في أغلبيّته أصبح عبارة عن منافسة بين الكتّاب أيّهم يصنع أفضل و أسرع منحوتة مرصّعة بالحكم و الأشعار و المجازات و التشابيه المتكلّفة و الاستعارات.لست ضدّ توظيف الأساليب البديعة في الكتابة لكنّي لا أعتقد أنّنا سنختلف حول خطورة أن يصبح الزّخرف غاية في حدّ ذاته فتضحي القصّة القصيرة لوحة مشعّة بالألوان و مساحة يمسح فيها القاصّ فرشاته لا أكثر. 
     إذن و إلى أن يغيّر كتّاب القصّة ما بنصوصهم فليستمرّ صنّاع الشّريط القصير في الارتجال و التّلفيق.




    محمد فطومي
    22/5/2012


    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق