• الرئيسيّة

  • الجمعة، 20 جانفي 2012

    الكتابة نيابة ًعنِ الجميع



    ليس هناك أصدق من أن لا نكتب..
    في الآن نفسه أجد صعوبة في التّصديق بأنّ الجنس البشري غير مجبول على التّعبير عن مشاغله و أحاسيسه عن طريق الكتابة !
    و ما الكتّاب في النّهاية إلاّ الفئة التي انصاعت بإرادتها إلى هذه النزعة. إمّا بسبب الوحدة أو عن رغبة في خوض التّجربة أو لاعتبارات مهنيّة أو لفرط عجزهم عن مقاومة شحناتهم العقليّة و النّفسيّة بغير الانفراد بقلم و ورقة...
    إذن فكأنّ الكاتب هو شخص تطوّع ليكتب لغيره.و القارىء شخص  تطوّع  ليكتفي بدور المتابع أو المصغي.و كلاهما يقدّم تضحية من نوع خاصّ،الأوّل يقبل عن قناعة أن يرهق فكره و أعصابه ليسجّل بعض المعاني الإنسانيّة،و الآخر الواعي بالبذرة يقبل بإخلاء السّاحة على مضض.
    بالتّالي فإنّ مسؤوليّة الكاتب خطيرة إذا نظرنا لها من زاوية أنّه موكّل بصورة غير مباشرة من قبل الكتلة غير الكاتبة.
    و أن تكون عند مستوى ما يتطلّع إليه الطّرف الذي وكّلك فهذا يعود إلى درجة الصّدق و التّواضع التي أودعتها في أعمالك،ألم نقل :ليس هناك أصدق من أن لا نكتب ؟
    تذكّر أنّك تكتب لأناس أصدق منك ،و هم بالفعل كذلك لأنّهم لا يكتبون ما يخطر لهم و إنّما يبقونه في مخيّلاتهم على هيأته الحقيقيّة الخام و لا يسبغون على رؤاهم غير الذي ارتسم في أذهانهم بأبعاده الواقعيّة.لذلك يتعيّن عليك أن تسعى لكتابة قصص  تراعي دورك ككائن اختار أن ينوب عن غيره.

    و  سيظلّ نموّ القصّة القصيرة نحو الوجهة الإبداعيّة الأمثل موفّقا ما دامت مرتبطة في  أذهان  المهتمّين بها على أنّها قيمة قادرة على المساهمة بقوّة و جدارة في إثارة القضايا و لها وزنها في بناء ثقافات ترى عللها و تعي أسباب قصورها جيّدا.
    و كما أنّ للسّينما وزنه ،و للقصائد التي تمرّ في وجباتنا الغنائيّة اليوميّة وزنها فإنّ للقصّة القصيرة وزنها أيضا بصفتها خطابا شائعا و أداة تواصل شعبيّة لنشر الأفكار و فرصة سهلة و عميقة و مسلّية في آن ،تتاح للجنس البشريّ ليتدارك الفوارق المعرفيّة و الأخلاقيّة و المعيشيّة بين مجتمعاته و أعراقه و يحيّن من خلالها موقعه من 
    إشكالاته الوجوديّة وفقا لمستجدّات عصره و مستوى ركامه التّاريخيّ الجديد.

    و ليتسنّى للقصّة  تحريك الأنظمة و العقليّات الجماعيّة تدريجيّا.فإنّ علينا أن نرقى بها من مرآة تعكس ما يُعرض 
    عليها إلى ضوء كاشف يسلّطه الكاتب على وضعيّة إنسانيّة مفصليّة قصد الإشارة إليها و تضخيمها في عقول النّاس من أجل رؤية أفضل و بالتّالي توظيفها من أجل تشخيص أدقّ.
    ربّما لا آت بجديد إذ أقول هذا.. و لكن هل إذا طرحت تصوّرا للقصّة القصيرة يقطع مع النّسخ.و  يَطلب منها الإيحاء بوجود وجوه أخرى لحقيقة ما يحدث و أن تلفت الأنظار إلى تفاسير أخرى و تصوّرات أخرى لمبرّرات وقوع الحوادث أو الوقوع فيها أو القيام بها،و يَـطلب منها أن تكون مشهدا سرديّا و فكريّا موازيا للملموس الحاصل أو المرتقب بشخصيّة مستقلّة و محايدة كأنّها تقول : إنّ ثمّة احتمالات أخرى لتأويل ما نحن فيه و هذا أحد الأمثلة عليها ؛و كأنّ  كاتبها يقول : أيّها العالم المهووس بحبك  الحكايات الجميلة و المؤلمة فوق أجسادنا مباشرة ، أيّتها العلاقات ، أيّتها الغرائز ،أيّتها الّلقطات المدهشة ، أيّتها الأعباء ، أيّتها المجريات ، أيّتها المصائر ..لستِ دائما كما نعتقد ..سأجعلك تُقرئين من فوق. و سأذيع أسرارك بورقي هذا ..

    فهل إذا طرحت هذا التّصوّر أكون قد حمّلتُ القصّة القصيرة ما لا تطيق؟





    محمد فطومي

    هناك تعليق واحد:

    1. نجاح نجلاوي2 جوان 2012 في 12:59 م

      أحسنت أستاذ فطومي
      وجدتُ هنا ما أبحث عنه
      أنت أديب متميّز فعلا

      ردحذف