• الرئيسيّة

  • الخميس، 3 ديسمبر 2015

    حواري في صحيفة العرب ( بالصّورة المُباشرة )

    أسئلة حوار لجريدة العرب
    كيف يُعرّف محمد فطومي نفسه؟

    القصّة هو أن تختار قول الأشياء من خلال حدث،بالتّالي فإنّ القاصّ هو مبدع اختار أن يكون نصّا. هذا ما أجده ينطبق عليّ تماما. رويدانجحتُ في أن أنسج حول نصّي ثقة ما، خصوصا عندما أمكنني النّشر في قسم كبير من المجلاّتو الصّحف الرّائدة في الأقطار العربيّة دون عناء أو صداقات أو طول انتظار. لم أكتب سطرا رغبة في الكتابة إلاّ بعدما تخطّيتُ الواحدة و الثلاثين من العمر. قارىءكبير للشّعر و للسّرد العربي و العالميّ دون النّظر إلى الظّروف التي حفّت بخروجه إلى النّور،إلاّ فيما يتعلّق بتجربة أدبيّة سعيتُ إلى تحصيلها. و ذلكلاعتقادي بأنّ الاهتمامالمُفرط بما يحفّ بالإبداع (من أجناس و سير و متفق عليه)يأتي دائما على حساب التدبّر العميق لما بين أيدينا و يُخفي عنّا الأسرار التي منحته صفة المُتجاوز. أذكر هذا لأنّ الإبداع اكتسب سحره أصلا من طبيعته الرّافضة للثّوب الواحد فنحن إن اهتممنا بالشّكل فلنغيّره لا لنكرّسه. إنّنانتعرّف على الكاتب لمّا نفهم لماذا يقرأ لغيره. على غرار قل لي لماذا تقرأ(لا لمن تقرأ) أقل لك من أنت. فأنا إذن على طريقتيقارىءيقرأ لغيره كثيرا منطلقا من فكرة أنّ الواقع هو مطيّة الأدب ليظهر و ليس العكس.

    1/ شاركت في عدد من الملتقيات الأدبية ونلت عددا من الجوائز الاولى. هل أضافت الملتقيات وورشاتها إلى تجربتك؟

    كانت الملتقيات التي حضرتها فرصة في مرحلة أولى لأسمع صوتي، و أنا أتكلّم عن القصّة القصيرة، هذا الجنس الأدبيّ الذي أصبتُ به بغتة و الذي انغمستُ في كتابته فلم أجد الوقت لأفهم ما الذي دفعني إلى ذلك و لا ما الذي أرجوه من ورائه. كنتُ منبهرا بسماع نفسيو هي تعترف و تكشف. كانت حقّا مناسبة مثاليّة لأشخّص مدى تعلّقي بالقصّة و مدى تأثّري بها و ما إذا كان بوسعي أن أؤثّر بدوري. أمّا الجوائز فقد لعبت دور المُحفّز الذي دفعني قدما و كفل لي استمراري في مزاولة الّلقاءات و التمركز أكثر في دائرة القصّة بتونس. بوصفي حاصلا على عشرين جائزة وطنيّة وجائزتين عربيّتين.

    2/ رغم طباعة كتابك في مصر فإنك لم تتمكن من نيل نسخك الخاصة إلى الآن. ماهي مشاكل النشر التي تواجه الكاتب في رأيك؟ وماالذي يحول بينه وبين قرائه خاصة مع ولادة طرق نشر بديلة وغياب الرقيب اليوم؟

    صحيح لقد نُشرت لي في السّابق كما ذكرتُ مجموعة في مصر بعنوان" زبد و رخام " هي الآن معروضة للبيع رقميّا و بصفة مباشرة. و رغمالعقدالمبرمبيننالم أتوصّل و لو بنسخة واحدة منها. طبعا لم يعد بيني و بين الدّار أيّة قناة اتّصال بما أنّها متحرّرة بالأساس من تعهّداتها الأخلاقيّة تجاه المؤلّفين. المُشكلة برأيي هو في البلدان التي لا تعير الكتاب أهمّيّة و لا تؤمن بدورهم في بناء المجتمع و تكوين خصائصه، بل لقد قذفتبهم في أفواه المقاولين الذين لم يُقصّروا في المتاجرة بفكر المبدعين و إلقاء الفتات أمامهم هذا إذا لم يُطالبوا أيضا بالتنازل عن قسم كبير من الفتات. في تلك الحالة وجد الكاتب( ممن لم يحقّقوا اسما بعد)  نفسه مضطرا إلىإصدار كتابه متنازلا عن حقّه الماديّ كأنّه يدفع ضريبة جريمة ارتكبها. فصرنا نسمع كلاما مخزيا من قبيل إذا أردت أن تنشر كتابا فتحمّل مسؤوليّتك

    3/ لغتك السردية تتميز بطابع من السحرية التي تولدها البساطة بعيدا عن التكلف، كما نجد مثلا عند موراكامي، كيف ترى مشروعك السردي؟

    كلّ إراديّ كذبة يا صديقي.. أو هكذا أعتقد على الأقلّ، إذ لن يكون بإمكانك أنتصنع الإثارة الفلانيّة أو تصلبالقارىء إلى فكرة ما و أنت تحمل هاجس إفحامه أو القضاء عليه لغة. أي بمعنى أنّه فيما أعتقد ليس مُتاحا لك أن تحدث وقعا و أنت تحمل عقليّة اتّباع الموضة و تقليد البضاعة النّاجحة. الجرأة في اقتحام المواضيع و الجمل البكر الصادقة ستلقى دائما الصدى الطيب لدى القارىءو مادامت تشتغل على تطوير قارئك لا أن تكتب لقراء ذوي ملكات متطوّرة فأنت إذن في الدّرب الصّحيحة. ذاك أنّ الفروسيّة في الأدب هو أن تُسلّح القارىء لا أن تقاتل نيابة عنه، أوضّح أكثر فأقول إنّ الكاتب الجيّد هو الذي لا يستخفّ بالقارىء فيشرح له كأنّه يصف لأعمى و لا أن ينهال عليه بلاغة كما لو أنّه يبارزه. أو كما لو أنّه إزاء وثيقة مُزوّرة يريد أن يختل بها عون الجمارك. موراكامي مثلا لا يجد حرجا في استعمال الخطاب السرديّ البسيط و الموحيو لا في استعمال الأمثلة اليوميّة القريبة لا ليقول إنّ الأشياء بسيطة بل ليقول ليس هناك شيء بسيط في هذا الوجود.و هذا تحديدا في نظري سرّ نجاحه و السّحر الكامن وراء أسطره.
    لا أدري إن كان هناك وجه شبه بيننا لكنّي على الأقلّ أومن أنّ خفقان القلب و هو الأمر الأكثر تعقيدا و سحرا في هذا الوجود يحدث بإيقاع من صوتين فقط.

    4/ تراجع جنس القصة القصيرة، لكن هل ترى أن التجريب فيه أفسده؟ مثلا ما يكتب اليوم مما يسمى القصة القصيرة جدا هل أفسد ملامح القصة القصيرة كجنس أدبي مستقل؟

    ثمّة موجة تجريب على مستوى الشّكل في القصّة القصيرة، منها كما تفضّلت ما يُسمّى بالقصّة القصيرة جدّ لكن لنتحدّث أوّلا عن بعض وجوه التجريب الأخرى التي ينبغي حقيقة أن نشجّعها على الظّهور و نتعهّدها بالدّرس، و أقصد استدعاء القصّة القصيرة لأشكال الوثيقة الأخرى على اختلاف شعب الخطابو الهندسة التي تميّزها، مثلا: القصاصات..المشاهد.. التلاعب باحتمالات مسار الأحداث في أكثر من مسلك سرديّ.. تطويع أدوات المسرح و السينما لصياغة قصّة الخ... كذلك ينسحب الأمر ذاته على المضامين فقد باتت أيضا بشكل عام في حاجة إلى تطوير لكي تجاري تطوّر الذّكاء البشري و تنافس الغزو الرقميّ(من صورة و مشاهد مُصوّرة متاحة للجميع)، و نحن إذ نتحدّث عن "تحديث" للمضامين فنعني تجاوز الفكرة التقليديّة الدّارجة من أنّ الصّدمة هي التي تصنع الإثارةو تلفت الانتباه. هنا تحديدا أتساءل هل بوسع قصّة أن تضاهي الصّدمة التي تحدثها صورة دمية ملقاة بجانب أنقاض حيّ سكنيّ؟؟ طبعا لا. في هذه الحالة هل نعلن موت القصّة؟ الصّواب في رأيي هو أن لا ننافس الصّورة بإعادة وصفها بل أن نعرض في أقاصيصنا من أنماط التصوير الجديدة ما يكفل لها البقاء في ظلّ الثّورة الرقميّة الحاليّة. أما القصّة القصيرة جدّا فشخصيّا لا أعتبرها قصّة بل أجدها أقرب إمّا إلى فكرة قصّة أو إلى المثل السّريع أو إلى الحدث الصادم الذي يُبنِي بواسطة خطوط عريضة جدّا. لكنّها و إن كانت حقيقة بالنّظر إلى العدد الكبير من الأدباء الذين اتّجهوا إليها و الأكاديميّات التي أٌقيمت على شرفها فإنّها لن تُلغي بحال القصّة القصيرة و إلاّ لجاز الحديث عن زوال الرّواية بمجرّد ظهور القصّة.

    5/ أي مكانة تراها للقصة القصيرة اليوم، في زمن اجتاحت فيه الرواية كل الأجناس الأخرى؟

    أعتقد أنّ الخيط الرّفيع الذي يُفسّر كلّ شيء يكمن أساسا في التالي : هل نختار اتّجاهنا الأدبيّ منذ البداية ثمّ نكتب فيه أم أنّ حاجتنا إلى القول هي التي تُحدّد الجنس الأدبي؟ الكاتب الذي يحمل مشروعا أدبيّا على كاهله سيجدنفسه يُساق دون أن يشعر إلى الجنس الأدبيّ المناسب. القصّة لا تشذّ عن هذا المبدأ فهي أداة لا يمكن أن تُعوّضها الرّواية و لا القصيدة إذا تحتّم أن تصل الفكرة بقصّة. إذن في اعتقادي لا خوف على القصّة من الرّواية لأنّ كلاهما يؤدّي دورا يعجز الآخر عن أدائه. ألم يكتب ماركيز قصصا قصيرة بعد مائة عام من العزلة؟ أليس هذا دليلا على أنّ الرّجل احتاج إلى القصّة دون سوايا لينقل انفعالا ما؟ أمّا فيما يخصّ التلقّي فأعتقد أنّنا ماضون نحو وعي جماعيّ فكريّ ستزداد فيه درجة احترام الناس للقصّة و متابعتهم إيّاها كما هو الشّأن في الغرب الآن.

    6/ كيف ترى  مشهد القصة القصيرة التونسية اليوم؟ والتي تقريبا تعد غائبة تماما عن المشهد الثقافي في تونس؟

    كتابة القصّة في تونس أشبّبها بما يحصل في الصّيد عندما يُضطر الصيّاد لسبب ما أن تصيب الطريدة ثمّ يتعذّر عليه التقاطها. أن تبذل جهدا فلا تجني شيئا. هي فنّ يتعاطاه نزر يعشقونه و للأمانة هي لم تتعدّالهواية بعد في بلادنا، إذ لا يُرجى من ورائها يسر أو كسب أو سفر أو شهرة الخ..يمارسها جماعة لديهم من الوعي بأهميّة و جمال هذا الجنس الأدبيّ ما يجعلهم يستمرّون في العناية به و التضحية في سبيله كتابة و متابعة رغم إدراكهم بأنّ طريق المجد أو حتّى القراءة من ورائها مسدود .في المقابل انتظر و لو على سبيل الخيال أن يصير عددهم بالآلاف لو أنّ القصّة كان لها شأن «الوان مان شو» في تونس.

    7/ كثير من الشباب الكتاب كانوا ينبؤون بولادة أقلام مميزة لكن خفتت أصواتهم وهناك منهم حتى من اعتزل الكتابة. ما أسباب ذلك في رأيك؟

    نعم مؤسف حقّا أنّ عددا كبيرا من المواهب تلاشت أصواتهم لعدم قدرة أصحابها على المواصلة دون تشجيع (و هذا صعب في الواقع) أو لأنّ القصّة لم تنضج لديهم بالشّكل الذي يجعلها تُمثّل مشروعا بالنّسبة إليهم. السّبب الأوّل هو الأرجح و الأخطر في اعتقادي، إذ تخيّل مُبدعا في بداية طريقه لا يُروّج و لا يُحتفى بإبداعه و لا يُدفع به إلى فضاء إبداعيّ أسمى. سينال منه الإحباط دون شكّ و سيستسلمو يهجر الكتابة غير آسف. في تونس مثلا يُحتفى بالكاتب حين يكون له إصدار جديد أو على الأقلّ حين يكون من ذوي "الكتب" و هذا مقياس خاطئ بل سخيف مقارنة بكمّ الكتاب الذين يحظون باهتمام إعلاميّ لا لشيء إلاّ لأنّهم اتّصلوا بمطابع و استطاعوا أن يدفعوا أموالا. و الأصل في الأشياء هو أن يحدث العكس؛ أي أن يقع التعريف بالشباب المبدعين "العزّل من كتب" من أولئك الذين أثبتوا تميّزا في الملتقيات الوطنيّة.

    8/ ماهي المشاكل التي يعانيها الكاتب التونسي اليوم في ظل اتحاد الكتاب الميت سريريا وواقع التهميش؟ وأي دور لوزارة الثقافة في ذلك؟ وكيف ترى طرق إصلاح وضعية الكاتب؟ 

    لك أن تُصدّقني حين أقول لك إنّي لا أعرف ما معنى اتّحاد الكتاب علاوة طبعا على أنّي لا أعرف أين يقع مقرّه و لا من يسيّره و لا ما النّشاط الذي يُزاوله. أقول هذا بصراحة و أعي أنّ كثيرين مثلي و إن تميّزوا عنّي بمعرفة مقرّه فإنّهم يجهلون الخدمات التي يقدّمها. بالتالي لن أتحدّث عن أمر أجهله. الحلّ الحقيقيّ في نظري هو أن تعيد الدّولة (الجهة العموميّة) الممثّلة في وزارة الثّقافة دور النّشر و التّوزيعالحكوميّة و أن تضع على رأسها نخبة من خيرة أدبائنا تعهد لهم بالقراءة و التدقيق ومنحالفرصحسبالجدارة،و فريقا للطّباعة و التّوزيع. بهذه الطٍّريقة لن يرشح سوى ما هو حقيقيّ و ستزول الكتب الطفيليّة إلى الأبد، و سيصير للمؤلّف أب لا يفرّق بين أبنائه.فالمبدع يموت إذا خرج عن مهمّته و اضطلع بدور التاجر و الوسيط و المنتج و الكاتب معا.

    09/ فشلت الثورة جزئيا في الحقل السياسي والاقتصادي، وكثيرون يرون أن الثورة لم تصل إلى اليوم إلى المشهد الثقافي الذي ظل على حاله بنفس شخوصه وممارساتهم ونفس التوجه الميّت. ماهورأيك ؟

    لم يحدث تغيير على الإطلاق نحو الأفضل بعد ما يُسمّى بالثّورة ما عدا قدرة الفرد على التعبير دون الخوف من دخول السّجن. أمّا الجدوى و النّجاعةالفكريّة فلا تكفلهما ثورة لا تحمل طموحاشعبيّا مُشتركا شعاره" نريد أن نصير شعبا متقدّما" هذا لم يحدث. ما حدث يبرّره شعار: "نريد نعيما شاملا، و الآن". فليست الوجوه القديمة و لا الممارسات القديمةبمفردها المسؤولة عن شلل الثقافة في تونس. في رأيي العدوّ الحقيقيّ للمشهد الثقافيّ هو عقليّة النّشاط لا لأجل التثقيف كواجب تجاه الوطن و الإنسان، بل لأجل رفع محاضر جلسات للإدارات العليا مرفقة بالعديد من الصّور الفوتوغرافيّة و فواتير المرطّبات إثر كلّ تظاهرة.

    10/ أنت لم تنشر مخطوطاتك إلى اليوم؟ هل امتناعك عن النشر موقف أم هناك سبب آخر. ثم ماهي خطواتك الأدبية أو مشاريعك الآنية واللاحقة؟

    تأخّر صدور مجموعة قصصيّة يعود بالأساس إلى فرط اختبار و مراجعة للنّصوص من جهتي، لكن مع حصولي مؤخّرا على جائزة نادي القصّة للمجموعة القصصيّة عن مخطوط "أشياء العام الجديد" فسأنشر المجموعة قريبا إن شاء الله. و ستضمّ اثنين و عشرين قصّة قصيرة، أي سيكون كتابا قصصيا سخيّا نوعا ما. أمّا مّاأااالللحاليّا فأنا بصدد كتابة رواية، مع أنّي أكتب بين الحين و الآخر قصّة قصيرة.و الصّدق أقول : لم أشعر يوما بأنّي لم أنشر كتابي بعد. ربّما هذا هو السّبب الحقيقيّ الغامض وراء تأخّره.



    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق