• الرئيسيّة

  • الأحد، 8 ديسمبر 2013

    عادة قديمة



    أومض لي بضوئه الكاشف مرارا متسارعة ثم ركن.توقّفت متشكّكا في أن يكون صاحب السيّارة الفارهة يعي فعلا بأنّي لا أصلح سوى دليل لا غير . نزل تاركا الباب مُشرعا ..إلاهي إنّه هو سامي شعبان زميلي سنوات الثانويّة المبكّرة..
    حضنني بقوّة.الدّهشة في عينيه جعلتني أشعر بأنّي شيء مفقود لا يُتوقّع ظهوره يوما، رغم أنّي لم أغب عن المدينة لأكثر من يومين منذ عشر سنين على الأقلّ..سألني عن أخباري و عن حياتي و عن عملي و غيرها من الأشياء بطريقة الأسئلة الكثيرة المتلاحقة التي تُلقى وابلا لا يُرجى الإجابة عنه إلاّ بــ: "كما ترى تأخذنا الأيّام دون أن نحسّ، لكن الحمد لله على كلّ حال..".
    تبدّل كثيرا، صارت لديه كرش بارزة و بشرة بيضاء و غشاوة بلّوريّة شفيفة على أحداقه..
    أذكر جيّدا في هيأة مشهد يطغى عليه اللون الأسود الفاتر كيف كنّا في الفصل متجاورين..كان يكتب رغم أنّ المدرّس لم يكن يُملي شيئا..استرقت النّظر إلى الورقة أمامه..كانت مليئة بعبارة واحدة : " لا أملك" .
    سألته ماذا تفعل؟ قال : القلم بدأ يجفّ.
    بأناقة المشاهير و بنظراتهم المُتخمة بسحر العالم يقف أمامي سامي شعبان زميل الدّراسة. و لا يبدُ أنّ حذائي الرّديء الذي أريح به عادة حذاء الوظيفة قد خلّف في ذهنه ذرّة انطباع.
    سألته بمرح: ماذا لو أنّ قلما بدأ يتلكّأ فجأة بين يديك و أنت تكتب..ما الخطوط التي كنت سترسمها لتبعث فيه القليل من الحياة أو لتتأكّد بأنّ أمره قد انتهى ؟
    أجاب بغير سحنة خاصّة : لا مكان عندي للأقلام التي تجفّ...ثمّ أردف : لكن لم هذا السّؤال؟
    قلت : لا تكترث ..فقط أردت تذكيرك بأنّ صديقك مازال غريب الأطوار كعهدك به..

    ***
    محمد فطومي