• الرئيسيّة

  • السبت، 14 ماي 2016

    قصص قصيرة جدّا


    ياسر الخطّي يصل 
    ***
    بدأ كلّ شيء صدفة لمّا ارتقى ياسر الخطّي ميزانا بدافع الفضول و لم يغادر المؤشّر الصّفر. أعاد الكرّة مرارا لكنّ شيئا لم يتغيّر. جرّب الآلة آخرون فاستجابت فورا. أثار الأمر الدّهشة حقّا. الآلات التي ارتقاها أو اقتناها بعد ذلك تقليديّة أو حديثة، يصعب عدّها و النّتيجة دائما واحدة. لمّا لم يعد لديه ذرّة شكّ فيما يرى قرّر الشّروع في جني ثروة من وراء انعدام وزنه. لم يدع سانحة إلاّ انتهزها و لا وسيلة إلاّ لجأ إليها. أخيرا بعدما أنفق سنين شبابه و خسر جميع ممتلكاته و هو يطارد الشّهرة التي يمنحها انعدام الوزن، سكن برهة سلام لم يعرف مثلها من قبل و جال في خاطره أنّ المرء لا يكون مُحاطا في الآونة الواحدة إلاّ بأحد الآخرين. استلقى على الرّصيف فوق فراش من كرطون رثّ خلف ميزان قديم منهكٍ. عقد يديه على صدره و انهمك يستشعر وزنا غامضا راح ينمو في داخله.


    لمّا حان دورها 

    ***
    اعتقدتُ أنّه مُجرّد تبادل أدوار عابر كالذي يحدث لأيّ كان دون موجب غالبا. أسأتُ التّقدير، إذ حالما صرتُ أنا الذي بين أحضانها سحقتني الّلئيمة أمّ الشّيطان، مُهملاتي التّافهة المُخلصة.


    ياسر الخطّي يوقن بأمر 
    ***
    كان ياسر الخطّي يمشي وسط الطّريق نصف ثمل. على جهة اليمين استرعى انتباهه شابّ ضخم الجثّة متجهّم الملامح كأنّه ركّب وجهه بمفرده، يقف خلف طاولة فوقها جبل من الفراولة. لا أحد يجرؤ على مضايقته لأنّه قويّ. فكّر ياسر الخطّي. على الجهة المقابلة قزم نحيف يبدو قميصه كما لو أنّه مُعلّق بمشبك واحد، كان أيضا يقف خلف جبل من الفراولة. لا أحد طبعا يجرؤ على مضايقته لأنّه ضعيف. حدّث ياسر الخطّي نفسه. نسي ما الذي ارتكبه على وجه التّحديد لكنّه يذكر أنّ أحدا من المارّة لم يهبّ لتخليصه من بين يدي القامة التي انهالت عليه ضربا. لمّا عاد إليه رشده بالتّمام قال و هو يتحسّس شفتيه: "شكيّ كان في محلّه؛ لستُ الوحيد في العالم بلا ذريعة".


    انقلاب 
    ***
    رسمت ابنة "الكبير" الوحيدة لوحة عليها يد بلا أصابع تنتشل يدا بعشر أصابع من جرف سحيق.. احتار "الكبير" بين تنفيذ رغبة ابنته التي أصرّت على عرضها أمام الملأ و بين تبعاتها الجمهوريّة الخطيرة، فأسدى تعليماته بأن تُثبّت الّلوحة مقلوبة. لكنّه سرعان ما تراجع في قراره لمّا علم أنّ حاشيته قد اشترطت على الزوّار مشاهدتها وقوفا على الرّؤوس.



    نادي العَيش 
    ***
    الصفّارة الأخرى الآخذة بالزّعيق لليوم الثاني على التّوالي دون توقّف، اعتادوها أيضا.

    ----
    محمد فطومي


    لننتظر..



    شجيرتان تنبتان وسط أصيص واحد. إحداهما شجيرة فضاء طلق و الأخرى شجيرة ظلّ.
    قالت شجيرة الظلّ تحدّث رفيقتها: أخيّة.. ماذا لو وُضعنا عُرضة للشّمس.. أترين عدلا أن أحترق و تعيشين؟
    قالت الشّجيرة الشّمسيّة: و ماذا لو وُضعنا أبدا في مكان ظليل.. أترين عدلا أن أموت شوقا للدفء بينما تينعين؟
    قالت شجيرة الظلّ: ما العمل إذن و نحن لا سيقان لنا و لا أجنحة كي نهرب إذا نزل البلاء بإحدانا؟
    قالت الشّمسيّة: نعم.. ما العمل إذن؟
    قالت شجيرة الظلّ: سيّدنا الجديد هو الذي جمع بين مصائرنا و هو وليّنا.. سيكفينا الكمد و حريق الهاجرة لو أراد.. ألا ترين معي؟
    قالت شجيرة الشّمس: السّهو سيّده هو أيضا.. أخشى أن تلهيه حياته عنّا فتفلح إحدانا و تزول الأخرى.. ألا ترين معي؟
    قالت شجيرة الظلّ: لا أرى إلاّ أن أستظلّ بظلّك لو شاء قدري أن نوضع عرضة للشّمس مقابل نصف حصّتي من الماء، أتنازل لك عنها عن طيب خاطر.. فهل توافقين؟
    قالت الشّمسيّة: و هل إذا وُضعنا في مكان ظليل، صرتِ ليَ الشّمس الحنون.. لا أرى إلاّ أن تكوني قد آثرتِ نفسكِ أخيّة !
    قالت شجيرة الظلّ: لو وُضعنا في مكان ظليل طعمتُ وريقاتك و عروقك حتّى إذا صرنا واحدة كنتِ مادمتُ      و كنتُ مادمتِ و كنّا مادامت الشّمسُ تنجب الظلّ و النّدى.
    - لننتظر..
    - نعم لننتظر..
    تحاورت شجيرتان في صدر بستانيّ أصمّ.


    ***

    محمد فطومي