***
محت أمريكا قرية صيّادين من
على وجه الأرض، ثمّ عشيّة اليوم نفسه أعلنت عن القرار المُروّع.
جلّ وكالات الأنباء أذاعت
الخبر. الصّحف غيّرت قبل سويعات فقط من توزيعها على الأكشاك صفحتها الأولى. كان
خروجها عن منطق الحياد شبيها بنادل ينزع زيّ عمله و يرمي به في وجه صاحب المحلّ.
على صفحتها الأولى كتبت "النيويورك تايمز" بحروف ضخمة: "قمر يا
عدم؟!". "الواشنطن بوست" رسمت منصّة لإطلاق الصّواريخ حيث تستقرّ
على المدرج مقلوبة برؤوس متّجهةصوب الأرض. أخرى استطاعت في وقت قياسيّ أن تخصّ
قسما كبيرا منهالقصّة مُصوّرة يبدو فيها الرئيس و هو يرتدي بدلة منجّم من القرون
الوسطى.خرج الطّلبة إلى الشّوارع يحملون لافتات عليها أقذع النّعوت. غطّى مدّ
المظاهرات كافّة الولايات. جُنّدت القوّات بمختلف أصنافها لمواجهة الجماهير
الحانقة. عمّت الفوضى. أُحرقت شارة الحزب. اعتقل المئات. سقط جرحى كثيرون. سُجّلت
حالات اختناق. أُعلن عن إضراب عامّ مفتوح. سيناتور كاليفورنيا استقال من منصبه.
رئيس بلديّة شيكاغو خطب في النّاس قائلا: "العار على الحكومة". و قال خصم
الرّئيس الّلدود: "كم نحن مُشَوِّقون!". ردّدت الجماهير العبارة في هتافاتها.
و نُصبت الخيام وسط الساحات الكبرى.. خلال أيّام هبط سعر الدّولار إلى مستوى لم
يعد معه قادرا على شراء ستّ بيضات من القرية البائدة.الصحافيّ الذي وسم الرّئيس
بمجرم الكون اختُطف من قبل مجهولين. أحد الحقوقيّين المُساندين للقضيّة قُتل أمام
بيته. صحيفة مسائيّة ساخرة كتبت :"سلامتكم قبل كلّ شيء". و قال مُذيع
أخبارٍ مباشرةً على الهواء في شبه غمغمة بينه و بين نفسه: «أمام المُتحمّسين دائما
فرصة ليُثبتوا حسن نواياهم و ينتقلوا للعيش هناك».. لاحقا كلّفته عبارته تلك أن
التصقت به تهمة الخيانة الشّعبيّة.
فهم «الكنجرس» أخيرا أنّ الشعب يخوض حربه فخرج عن صمته. التأم
اجتماع خارق للعادة دام تسع ساعات.
عقبالاجتماع خطب الرّئيس من مكتبه عبر التّلفزيون:
"أيّها الشّعب. أيّها العالم.. إنّا نزفّ إليكم اليوم بشرى سارّة. لقد
تراجعنا عن قرارنا السّابق.. بناءً عليه نعلن رسميّا، و نهائيّاعن التحاق الأخ
الضالّ بعائلته... بدءا من الآن أيها الإخوة «بلوتو» لم يعد قمرا... ليس بعد الآن
على أيّة حال..."،ثمّ تابع بنبرة تأثّر على الطّريقة الأمريكيّة أي تماما كالتي
تصل بها امرأة في حديثها عن واقعة اختطاف رهائن إلى لحظة تحرّرها: "...بلوتو
كوكب أيّها الإخوة!.. بلوتو كوكب!".
***
محمد فطومي
