• الرئيسيّة

  • الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

    مسّ الأفعى // فاطمة فطومي





    نظر بدر إلى ساعته .كان جالسا يترقّبُ القطار.شعُر أنّ الوقت يتلاعب به و يقذف به بعيدا.تناهت إلى ذهنه تلك الرّاقصة . أنزل الجريدة و بدأت ساقاه تتقدّمان و رأسه يتأخّر على الكرسيّ المُكسّر.هاهي ذي تحمله من يده و ترمي فوقه شالها المُعطّر فيشتدّ تنفّسه.التفّّ حولها بذراعين شديدين و هي تتلوّى كحيّة لا يُسمع في محيطها سوى جلجلة منبعثة من داخل شعبة كثيفة الأغصان.
      لم ُتفلت من قبضته لكنّها انحنت إلى أن تسلّلت واضعة عينيها في عينيه كأنّ الحيّة تخمّرت على ألحان مزمار شابّ يعزف بينما ينظر إلى الأسفل.ثمّ تراجع إلى طاولته يتسامر مع صديقه.ابتسم راضي و هو يُشعل السّيجارة و يعرض الأخرى على يعقوب. بادر بدر:
    " لم تدخل الحيّة إلى جحرها"،أجابه :" لم تمتلىء بطنها بالبيض،الجحر ضيّق و لا حاجة لها به الآن.تدخّل يعقوب :" أبي لم يُرسل إلينا منذ ثلاثة أشهر.التفت إليه بدر  :" إنّ الوضع في العراق مُستقر." و ارتفعت قهقهة راضي حتّى شرق في المشروب ،ثمّ تدارك و قال :" لو أنّي أقف و أغازل الحيّة.ستشرئبّ بعنقها نحوي و تتبعني و لن تنفث فيَّ سُمّها .أتُراهنون؟ "
    أطفأ يعقوب سيجارته و التمعت عيناه حتّى صار أشبه بطفل ينتظر أباه الغائب ليحمل له لعبة تُسلّيه       و يحضنه راضيا عنه.فزفر طويلا ،حينها أضاف بدر : " رئيسي في العمل لن تُخلّصني منه إلاّ أفعى كهذه الفاتنة،أمّا أنا فأمّي لا تتوقّف عن ترغيبي في الدّجاج المحلّيّ زاعمة أنّ دجاج المُدن فقَد طعمه       و أصبح مُتشابها.يبدو أنّ كلامها صحيح،دجاجة واحدة تكفيني..ثمّ طلب مشروبا آخر مضاعفا تركيزه..هزّ راضي رأسه و قال :" لو كانت أمّي تسمعني الآن لأخبرتُها أنّ السّنين أرهقتني و أنّ قبرها بعيد و ساقاي لم تعد تقويان على السير،لو ترضي أن تأتي إليّ .. سأتزوّج ابنة صديقتها ."
      لم يرغب يعقوب في مواصلة السّمر.لكنّ حيّة الدّاخل أفضل من خنازير الخارج و هو أعزل.لذلك فضّل أن يبقى معها حتّى الصّباح.
     بدأ الخيط الأبيض يظهر.الأصدقاء الثّلاثة نشطون .أتراهم يُغادرون مُكرهين و الأفعى لمّا تُغيّر ثوبها بعد و لم تثقل بطنها بالبيض ؟
     شقّ يعقوب الطّريق بسيّارته متمايلا.
    واصل السّير .حين وصل إلى القنطرة توقّف و نزل.
    استند بمرفقيه على الحاجز الحديديّ و تساءل في سرّه إن كان عليه أن يستمرّ فتمتلأ رئتاه بالدّخان العطن،أم يغطس في الماء و يطفو على ظهره و يسأل الشّمس أن لا تُحرق بياضه..
     في تلك الأثناء كان بدر قد استقلّ سيّارة أجرة نحو محطّة القطار

    .

    فاطمة فطومي


    18/11/2012

    السبت، 17 نوفمبر 2012

    مقدّمة للاشيء بعد اليوم..


                هديّة إلى صديقي محمد بليغ التّركي



    ***


       
    كيف انتبهتُ في عمق النّوم إلى شاشة الجوّال تومض ؟           
    كانت السّاعة تشير إلى الثّانية صباحا.
    رقم المُتّصل بدا لي غريبا. لم يخب تخميني حين راجعت دليل الهاتف بعدها لأتأكّد من البلد.كانت أمريكا.
     قرأتُ الرّسالة:
    " عزيزي، كأنّنا افترقنا بالأمس..ما أخبارك؟
    لم أشأ إزعاجك،فقط أردتُ أن أسوق لك السّلام. كنتُ أجول بذهني هنا و هناك .أفكّر، و تذكّرتُ وجهة نظرك حول الحياة ، فخطر لي أن أغمز لك بهذه الرّسالة القصيرة عسى أن تكون بخير."

     بعد ساعات  لا أدري إن كنتُ أفلحتُ خلالها في التّظاهر بيني و بين نفسي بهوان الأمر و أنّي لم أتبيّن  على وجه التّحديد صاحب الرّسالة . كتبتُ لها :
    " نعم عزيزتي..عبّرتِ عن الأمر بشكل جيّد..لقد تغيّرتُ كثيرا منذ آخر عهد لك بي.
    الحياة..! ذاك المأزق الرّائع بحرفَيْ تعريف في مقدّمتها يسحبانها بثقة مُهينة خارج دائرة الإرادة البشريّة، لا تمنحكِ الفرصة لتتوضّحي حقيقة ما حدث، و لا هي تتيح لك حتّى حرّيّة النّدم على بعض الأشياء .
    أعتقد أنّنا بحاجة إلى حياة أخرى لنصدّق بأنّ واحدة لا تكفي."

    كان أحد الأسرار التي تجعلني لا أكفّ عن ملاحقتها في خيالي و الهروب بها من الوقت في جزء من الثّانية لجزء من الثّانية، و العودة بها حيث قرّرَتْ أنّي لا أكمّلها كما كانت تحلم دائما، فأمحو مقطعا أو أضيف كلمة أو إيماءة لا تكاد تُرى.أنّها لم تبال بفارق التّوقيت بيننا و هي تعبث بأزرار الرّسالة.
      كم أسعدني اكتشافي بأنّ ليلي كمّل نهارها لجزء من الثّانية نيابة عنّي.
      .. من يدري ، ربّما تحرّرتُ بعد اليوم من ملاحقتها 



    محمد فطومي

    16/11/2012

    السبت، 10 نوفمبر 2012

    كِلانا..




      ينهل الرّجل الشّهم نبله من فشله الذّريع في تقمّص شخصيّة النّذل، كلّما دعته ضرورة سدّ الطّرق أو انسدادها أو كلاهما إلى عمل ذلك.
    فيما يظلّ النّذل نذلا ، ما لم يفقد قدرته الخارقة على اقتباس شخصيّة الكريم بدافع و بغير دافع في أغلب الأحيان.
    لعلّي تأخّرتُ لكنّي لم أتخلّف.أطلق خيالك..أرسل ذاكرتك تجوب ذاكرتي..تابع حكايتك من قلب حكايتي..

      لا تُخيفني هزائمي و إيّاك بقدر ما يُرعبني عددها ..يا الله ، كم هي عديدة..و كم هي شحيحة فرصنا في النّجاة لو لم تركن الإنسانيّة موكبها على قارعة الطّريق برهة فتخلع عنها لهفتها لتجريب الحتف ،و تشرب كوب ليمون.
    كم عديدة هي البنايات التي شاهدتُها بأمّ عيني تهوي و تستوي مع الأرض بضغطة زرّ واحدة ، تاركة مكانها لغبارها،قبل أن يتلاشى كلاهما.
    لا تُحصى الحضارات العظيمة التي ما انفكّوا يلقّنوننا كيف استأجرت الدّهر لتقوم ،ثمّ كيف أرسل لها الدّهر جابيا أعمى ليدمّرها على سبيل الخطأ في غضون لحظات، و أخرى استأجروا منّا عقولنا و سواعدنا مقابل بندقيّة روسيّة و حوريّتين في الجنّة لنُحرقها بأنفسنا. كأنّها لم تكن سوى قارورة زجاج أفلتت من يد صبيّ ، أو أدهى ربّما كانت كلاهما.
    مع ذلك لم يستفزّ خاطري – رغم ما في المسألة من بداهة - أنّ العفونة هي الأصل في الأشياء و أنّها الأجدر بتاج الطّبيعة. سوى الفصل الذي أُتيح لي فيه أن أُعاشر كلا الرّجلين



    محمد فطومي
    10/11/2012